ولكنكم قوم تستعجلون
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه*** وأيـقـنأنــّا لاحقين بــقيصـرَى
فـقلتُ لا تَبكِ عـيـنـاك إنمـا ***نـحـاولُملكاً أو نمـوتُ فـنـعذرَا
و هذا البيت كان يتمثل به كثيرا شيخنا الشيخ الألباني في دروسه و كتاباته
رحمه الله و سائر علماء المسلمين الربانيين المخلصين
نعم إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذر.
هذا فقه فـَقـِههُ ذلك الشاعر الجاهلي في سعيه لتحقيق ملك دنيوي زائل، وهوجاهلي!
فكيف بأهل الإسلام ـ أهل الدين الحق ـ!، فكيف بدعاة الإسلام العاملين
لتحقيق ملك الله في الأرض حقيقة وحكماً؟!
الأصل أن يكون دعاة الإسلام أشدفقهاً واستيعاباً لهذه الحقيقة
من ذلك الشاعر الجاهلي ومن سائر عامة المسلمين.
كيف لا؟، وهي حقيقة تلوح وتظهر غاية الظهور في ديننا،
خلاصتها "أننا مكلفونبالسعي وليس علينا تحقيق النتائج"
فالله سبحانه وتعالى إنما تعبدنا بالعمل ولميتعبدنا بإدراك نتيجته.
قال تعالى لنبيه نوح عليه السلام
[وأوحي إلى نوحأنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن...
واصنع الفلك بأعيننا ووحينا... وما آمن معهإلا قليل]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: [وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومنشاء فليكفر]
وقال عليه الصلاة والسلام: (يأتي النبي ومعه الرجل، والنبيومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد)
ولا يعد هذا النبي الأخير فاشلاً ـ حاشا وكلاـ.
إن إدراك هذه الحقيقة يورث في قلب المؤمن الداعية برداً وسلاماًوطمأنينة
في خضم هذا الطريق الطويل، الذي تمثل المحن والابتلاءات على اختلافأصنافها وألوانها
ركناً من أركان ماهيته وجزءاً من أجزائه.
كما أن إدراك هذهالحقيقة يجعل المؤمن ينطلق نحو هدفه بخطى ثابتةٍ
يقفو فيها آثار من سبق من خيارالأمة، حذو القذة بالقذة.
فغاية همه وأكثر ما يقلقه ويؤرقه ويخيفه أن يحيدـ ولو قيد أنملة ـ
عن آثارهم أو أن يتجاوز مواضع أقدامهم.
فإنما: الأمرالاتباع" فلا تستفزه الأحداث، ولا تستدرجه الوقائع
ولا يخضعه ـ بهوله ـضغط الواقع. فإنما: الأمر الاتباع"
ومن ثم: فهو وإن كان أمام الناظرينأبعد ما يكون عن هدفه الذي يسعى إليه
إلا أنه بمقاييس الاتباع التي تـُعبدنا بهاوحدها دون سواها، وبيقينه الراسخ فيها يردد:
[أليس الصبح بقريب]
بلربما لمح ببصيرته ضوء الفجر بين من لا يرى غير الظلام المطبق
بل وربما استنكر علىغيره ألا يرى ما يراه هو...
[ولكنكم قوم تستعجلون]
[عن مجلة المجاهدون / العدد 58]