كارثة جدة .. هل تغير خطاب الإسلاميين السعوديين؟!
الأحد 27, ديسمبر 2009
مصطفى أبو عمشة - جدة
كان لا بد لكارثة جدة وما أحاط بها من ملابسات، أن تلقي بظلالها على الحقل الدعوي والفكري، وتعمل عملها في بلورة خطاب ديني جديد يؤكد على مكافحة مظاهر الفساد بكافة أنواعه.
من خلال استطلاع آرء بعض الإسلاميين من مختلف الأطياف، حيث أكد بعضهم على أنه يجب ألا يكون رد الفعل مرتبطًا بالحوادث فقط، منوهًا على أخذ الدروس والعبر من الكوارث من خلال توظيفها في تحريك المجتمع نحو الإيجابية، بحيث يتم في المستقبل تدارك مثل هذه الكوارث والتقليل من ضررها، إلا أن البعض الآخر عبر عن بالغ أسفه لتراجع دور العلماء الذي وصفه بالكبير سواء في السعودية أو في البلاد العربية والإسلامية، وشكك في السياق نفسه في إمكانية أن يقوم العلماء بدورهم المطلوب في مثل هذه الأحداث، معتبرًا أن قيامهم بهذا الدور ليس خيارًا وإنما هو من قبيل الواجب.
تراجع لدور العلماء
المفكر الإسلامي السعودي الدكتور موسى الشريف أكد أن الكارثة الأخيرة ينبغي أن تكون مثالاً يعالج على أساسه الفساد، وبحسب رأيه فإن الفساد لن يُقضى عليه إلا إذا أنشئت لجنة عليا متصلة بالملك عبدالله مباشرة، مهمتها معالجة وتتبع قضايا الفساد في البلد بالكامل.
وأشار الشريف في تصريحاته أن الفساد في السعودية ليس منحصرًا فيما تم الكشف عنه خلال أزمة جدة، وإنما هو أعظم من ذلك، وقال: "يجب أن نكون شجعانًا وأقوياء في معالجة هذه القضية بالشكل المطلوب بعمومية وشمولية كافية".
وأهاب الشريف بضرورة الاستفادة من قرار الملك عبدالله في القضاء على الفساد من خلال الانتقال لقضية أهم وأعظم، تتمثل في المعارضة التامة والشاملة للفساد، خاصة وأن الملك - كما يقول الشريف - ذكر هذا بوضوح متمثلاً في قوله: "أنا أعذر نفسي أمام الله بإنشاء هذه اللجنة".
وعبَّر الشريف عن بالغ أسفه لتراجع دور العلماء الذي وصفه بالكبير، سواء في السعودية أو في سائر البلاد العربية والإسلامية، ووجه نداء إلى كافة العلماء أن يعملوا على أخذ دورهم مرة أخرى لاستلام وظيفتهم الأساسية المتمثلة بالتوجيه والتنبيه، مؤكدًا أن علماء السعودية هم الأولى بأخذ هذا الدور، نظرًا لتميزهم بالشجاعة والقوة والمصارحة.
إصلاح شامل
أما المفكر السعودي المعروف الدكتور محسن العواجي، فقد عبر عن رؤيته قائلاً: "إن الله تعالى أذاقنا كمجتمع بعض ما عملنا لعلنا نرجع إلى الحق والصلاح والإصلاح على جميع المستويات، على مستوى السلوك الفردي، وعلى مستوى السلوك الاجتماعي، وكذلك على مستوى المعاملات الإدارية والمالية".
وحول إمكانية أن يستثمر العلماء والدعاة هذه الكارثة - خصوصًا بعد مطالبة الملك عبدالله بفتح باب التحقيق فيما أظهرته من فساد – لتطوير خطابهم، أوضح العواجي أنّ رد الفعل يجب أن لا يكون مرتبطًا بحادثة جدة فقط، خصوصاً إذا تحدثنا عن الإصلاح الشامل والعام واستقلالية اللجان ونزاهتها، وارتباطها المباشر بخادم الحرمين الشريفين، مؤكدًا على أن القضايا الطارئة تحتاج من الدولة ككل أن تكون مهيأة لمواجهة مثل هذه الكوارث.
وشدد العواجي على أخذ الدروس والعبر من الكارثة من خلال توظيف الوقائع والحوادث لتحريك المجتمع نحو الإيجابية، بحيث يتم في المستقبل تدارك مثل هذه الكوارث والتقليل من ضررها.
ويأمل العواجي من الإسلاميين والإصلاحيين أن يطوروا خطابهم من التعميم إلى التفصيل، فالخطاب الإسلامي بحسب اعتقاد العواجي ليس مرتبطًا بـالمرحلة التي نعيشها ولا بالأشخاص الموجودين حاليًا، وإنما هو خطاب عام يشرَّف من يحمله في أي زمان ومكان.
رؤى ومبادرات
الدكتور علي بادحدح، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز، أكد في تصريحاته أن منهج محاربة الفساد ومواجهة الكوارث في القرآن يجمع ما بين ارتباطها بالذنوب وبين ارتباطها بالأسباب المادية، كما أن إيماننا بالقضاء والقدر لا يمنع من البحث عن الأسباب المادية ومعاقبة المتسببين والمفسدين.
وأوضح بادحدح أن القرآن عبر عن مهمة الرسل والأنبياء من خلال النهي عن الفساد ومنعه، فجميع الأنبياء كان محور رسالتهم يدور بعد الإيمان والتوحيد حول معالجة الفساد الاقتصادي والأخلاقي والسياسي.
وأكد بادحدح على ضرورة قيام العلماء والمفكرين الإسلاميين بتغيير خطابهم الديني على أرض الواقع، من خلال الحديث عن عدة جوانب لم تحظَ بالأهمية، وعلى رأسها الخطاب التنموي بكافة أشكاله، وذلك لكي يرتقي الناس بالعلم والتقنية والصحة، من خلال أصول وجذور وتوجيهات عامة في الإسلام.
وتساءل بادحدح: "لماذا نحدث الناس في المسجد في أمور الآخرة والجنة والنار والعبادات فقط؟!! لا بد أن نتحدث بالآفاق التنموية في الحياة الدنيوية والعلاقات الاجتماعية وبنية المجتمع وتحركه في حياة العصر الحديث".
لليبراليين النقد ولنا العمل
واتهم بادحدح الإعلام والصحف المحلية بتغييب دور الإسلاميين في الكارثة، من خلال التركيز على الجوانب السلبية، وإهمال المنجزات التي قاموا بها هؤلاء، كتكوينهم "لجنة أهالي جدة" التي تتكون من فرق تطوعية تخرج لمساعدة الناس، ويخرج على رأس كل فرقة تطوعية عدد من المشايخ والخطباء، يمرون على الناس ليواسوهم ويتحدثوا إليهم.
ونعى بادحدح على من أسماهم بـ"الليبراليين" الذين يكتفون – على حد قوله - بالنقد فقط من خلال الصحف، دون أن يقوموا بأي جهد عملي يذكر سوى النقد والتنظير، وتوجيه سهامهم إلى الدعاة الذين يقودون مؤسسات المجتمع المدني الخيرية التي تقدم خدمات إغاثية واجتماعية.
وأعلن الدكتور بادحدح أنه أرسل برقية للعاهل السعودي اقترح فيها تأسيس هيئة عليا لتطوير جدة، على غرار الهيئة العليا لتطوير الرياض والعاصمة المقدسة، ويكون فيها ممثلون على مستوى عالٍ من الوزارات، وتكون لها صلة بالمقام السامي، ويتم دعمها ماليًّا ومعنويًّا، وبالتالي تستطيع أن تنجز عملها دون أن تكون خاضعة للروتين العادي.
المصدر / إسلام أون لاين