الفرح والسرور كالحزن والحب والكره انفعالات نفسية لا تمدح ولا تذم لذاتها بل حكمها حكم سببها أو اثرها في النفس وقد حث الله تعالى الناس على اغتنام ما في تعاليم الإسلام من فضائل وخيرات وإيثارها على ما في الدنيا من زينات وشهوات فقال تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (آية رقم 58 من سورة يونس) ومعنى الآية الكريمة: قل يا محمد لمن يؤثرون الدنيا على الآخرة اجعلوا فرحكم الأكبر وسروركم الاعظم بفضل الله الذي شرع لكم هذا الدين على لسان رسوله ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ وبرحمته التي وسعت كل شيء، لا بما تجمعون فى هذه الحياة من أموال زائلة ومتع فانية.\
والإشارة في قوله تعالى: (فَبِذَلِكَ) ترجع الى المذكور قبله وهو مجموع الفضل والرحمة، والمفسرون وإن كانوا قد اختلفوا في المراد من الفضل والرحمة ففسر بعضهم فضل الله ورحمته بالقرآن والعمل به، ومنهم من فسر فضل الله بالقرآن ورحمته بالاسلام ومنهم من فسرها بالجنة والنجاة من النار ولا شك ان كل هذه الاراء لا تخرج عن الاسلام والهداية إليه.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ...» أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فانه أولى مما يفرحون به من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية والذاهبة لا محالة، ج2ص421 تفسير القرآن الكريم والحصر في قوله تعالى: «فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ» من الآية الكريمة لا يعني تحريم الفرح بما عدا الاسلام والهداية إليه من متع الحياة الدنيا، وقد فسر ذلك عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وبينه أوضح تفسير وأعظم بيان.
فعن صفوان بن عمرو قال: سمعت أيفع بن عبد الكلاعي يقول:لما قدم خراج العراق الى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ خرج عمرو مولى له فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي اكثر من ذلك فجعل عمر يقول: الحمد لله، وجعل مولاه يقول هذا من فضل الله ورحمته، فقال عمر: كذبت، ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ».
وهذا مما يجمعون، رواه الطبراني والبيهقي وأبونعيم.
فعمر ـ رضي الله عنه ـ لم ينكر الفرح بنعمة الله تعالى بهذا المال الذي وجده، ولم يكذب مولاه ـ غلامه ـ في أن ذلك من فضل الله وأنه يستدعي الفرح إلا أنه رفض ان يكون الفرح بهذه النعم هو نفسه المقصود بقوله تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ...» بدليل أن الله تعالى قال بعدها: «هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» وأن المال مهما كثر فإنه في نظره لا يرقى بحال من الأحوال الى درجة فرحه بهداية الله تعالى له ولأصحابه إلى الإسلام، بل إن هدايتهم إلى الإسلام هي التي كانت سببا في وصول هذه النعمة إليهم، فالفرح التام هو