مثل في النصيحة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
أما بعد
أيها الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر أن يحيى بن يزيد النوفلي كتب إلى أخيه في الله مالك بن أنس رضي الله عنها ، النصيحة
الآتية :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على رسوله محمد من الأولين والآخرين ، من يحيى
بن يزيد إلى مالك بن أنس ، أما بعد :
فقد بلغني أنك تلبس الدقاق ، وتأكل الرقاق ، وتجلس على الوطيئ ، وتجعل على بابك حاجباً ،
وقد جلست مجلس العلم ، وقد ضربت إليك المطي ، وارتحل إليك الناس ، واتخذوك إماماً ،
ورضوا بقولك ، فاتق الله تعالى يا مالك ، وعليك بالتواضع ، كتبت إليك بالنصيحة مني كتاباً ما
اطلع عليه غير الله سبحانه وتعالى ، والسلام " .
فكتب إليه مالك :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، من مالك بن
أنس إلى يحيى بن يزيد ، سلام الله عليك ، أما بعد :
فقد وصل إليّ كتابك ، فوقع مني موقع النصيحة ، والشفقة والأدب ، أمتعك الله بالتقوى ،
وجزاك بالنصيحة خيراً ، وأسال الله تعالى التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
فأما ما ذكرت لي أني آكل الرقاق ، وألبس الدقاق ، وأحتجب وأجلس على الوطيئ ، فنحن نفعل
ذلك ، ونستغفر الله تعالى ، فقد قال الله تعالى :
( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيَّبَاتِ مِنَ الرَّزْقِِ ) الأعراف : 32
وإني لأعلم أن ترك ذلك خير من الدخول فيه ، ولا تدعنا من كتابك فلسنا ندعك من كتابنا ،
والسلام " .
من وحي هذا المثل الرائع في النصح تتبدى لنا أمور . . تنتصب منارات هداية ، وعلامات
رشد . . تضبط السلوك وتوجهه ، وتحسن الأداء وترشده ، وتسعى إلى تماسك الوشائج ،
وتمتين العلاقات والروابط ، كما ينبغي أن يكون ذلك كله بين الإخوان . . وفق المنهج الرباني
السديد ، الذي اختطه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
ونضع الدروس المستفادة هنا ، من هذا المثل الرائع في مجموعتين ، الأولى تخص الناصح ،
والأخرى تخص المنصوح ، علّنا بهذا ندرك جانباً مهماً من فقه " النصيحة " التي تداخلت فيها
المتشابهات ، وتشابكت بها المتباينات ، واشتطّ بها البعض عن طريقها ، وأخرجها عن نطاقها
، ولم يبق منها غير الرسم والإسم ، الذي بات للأسف يشكل استفزازاً عند المنصوح ، ذلك أن
الناصح اتخذها سبيلاً للقدح والتشهير . . لهذا سقنا هذا المثل بين علمين من سلفنا الصالح ،
علّنا نهتدي إلى الصواب . . وننتقي الطيب المستطاب . . فللأخ الناصح ، وللأخ المنصوح ، هذه
الشروط والضوابط ، المستفادة من واقع هذا المثل .
أولاً : في الناصح :
- لا بد أن يكون واضحاً في نصحه ، صريحاً في تحديد القضية .
- أن يعتمد الاختصار والإيجاز وعدم الإطالة ، مع الجزالة في
اللفظ ، والقوة في السبك ، بعيداً عن التقعّر والتكلّف .
- أن يذكر المحاسن التي عرف بها المنصوح ، وأن يشير إلى مكانته . . كمقدمة سريعة للدخول
إلى قلبه .
- أن يحرص على سرية النصيحة وكتمان أمرها .
ثانياً : في المنصوح :
- الرضا والقبول بمبدأ النصيحة ، وعدم التبرم بها . . ما دامت
في إطار النصيحة وتوافرت لها شروط ذلك .
- الدعاء للناصح بما يليق بشرف عمله هذا .
- إظهار الحرص على ضرورة استمرار التناصح بين الإخوان .
- الاعتراف بمضمونها إن كان حقاً ، وإن لم يكن الرأي الراجح .
- تأخير بيان الرأي الآخر في المسألة بعد كل ما ذكرنا ، حرصاً على استمرارية نهج المناصحة
في الدين والدنيا ، بين الإخوان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أملنا أن يحيا " فقه النصيحة " ، بصورته الصحيحة ، بين الإخوان حتى لا نفقد الخير العميم .
. الذي حتماً سيغيب حين تغيب " النصيحة " من حياة الدعاة إلى الله ، أو حين تؤدى بشكل
خاطيئ .
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه
وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه
ووفق الله الجميع
والله من وراء القصد
محبكم في الله
أبو الزبير