الحكمة! الحكمة! يا أهل اليمنبقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضيالحمد لله وحده، والصلاة، والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد توج النبي - صلى الله عليه وسلم- أهل اليمن بتيجان الوقار، والفخار، في جملة أحاديث شريفة، صحيحة، منها قوله: (أتاكم أهل اليمن!
هم أرق أفئدة، وألين قلوباً الإيمان يمان، والحكمة يمانية. والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم) [متفق عليه]. ولا ريب أن هذه منقبة عظيمة لأهل ذلك الإقليم العربي، المؤمن، العريق، وشهادة يفتخر بها بنوه على مر التاريخ، وحُق لهم!
ولو تجاوزنا المدلول الجغرافي، التاريخي لمصطلح (اليمن)، الذي يتناول كل ما كان واقعاً جنوب مكة، شرفها الله، فلا شك أن (اليمن) السياسي الآن يدخل دخولاً أولياً، إذ هو عمق اليمن، وقعره. وبالتالي فينبغي أن تكون هذه الأوصاف النبوية ماثلة في المنتسبين إليه، القاطنين في أكنافه:
1- (الإيمان) : وهو أصل الأمان، وقيد الفتك.
2- (الحكمة) : وهي وضع الأمور في مواضعها الصحيحة، وضد السفه، والعجلة.
3- (الرقة): وهي اللطف، واجتناب الفظاظة، والغلظة.
4- (اللين): وفيه معنى المطاوعة، والمياسرة.
5- (السكينة): وفيها معنى الإخبات، واجتناب الاضطراب.
6- (الوقار) : وهو السمت الحسن.
وهذه (الحزمة) من الأخلاق الكريمة، ترسم صورة رائقة لشعب مطمئن، مسالم، حكيم.
وحين نبصر المشهد اليمني الاستثنائي، هذه الأيام، نجد صورة مغايرة! فتن،واضطرابات، حشود، وتظاهرات، صراخ، وهتافات، شجار، ومواجهات، تنابز بالألقاب، واتهامات، وفوق ذلك أرواح تزهق بالعشرات، ودماء، وجراحات، يوشك، لا سمح الله، أن تتحول إلى حرب أهلية، بين أفراد شعب مسلح، تنذر بعواقب وخيمة.
أين حكمتكم يا أهل اليمن! أين رقتكم، ووقاركم، وسكينتكم ؟!
إن الحال في اليمن يختلف عنه في (ليبيا)، و (سوريا). فالأولى يحكمها حاكم مجنون، يبدد ثروات وطنه حسي ما يمليه مزاجه العكر، ويذيق مواطنيه سوء العذاب، ويحرمهم أبسط حقوق الإنسان، بقوة الحديد، والنار، ويمجد حكم العبيديين الباطنيين، وينكر حجية السنة النبوية، في قائمة طويلة من المخازي، والخبالات. والثانية: تحكمها طائفة رافضية، باطنية (النصيرية) بقبضة حديدية، تعيث في الأرض فساداً، وتنشر عناكب الرفض والبدعة، وتطمس أنوار الإسلام والسنة.
ولسنا بذلك نزكي صاحب اليمن، المتشبث بكرسيه، المريق لدماء شعبه، ولا نقر ظلمه، وطغيانه. ولكن الموقف يستدعي النظر في العواقب، والمدافعة بالتي هي أحسن. (اليمن) اليوم (برميل بارود)! ينتظر شرارة لينفجر، ويهلك الحرث والنسل. والتصعيد مستمر، والنفوس مشحونة. مهلاً أيها العقلاء! افسحوا مجالاً للتفاوض، وضعوا هامشاً للحوار، ولا تحملوا السفيه، أن يهدم الصرح، قائلاً (عليَّ، وعلى أعدائي).
المتربصون باليمن، الذي كان سعيداً، كثير! وعلى رأسهم الرافضة (الجارودية)، في صعدة، يتربصون الدوائر، لينقضوا، ويصفوا حساباتهم مع المد السلفي، والدعوي، الذي نعم بقدر كبير من الحرية، خلال العقود الماضية.
نتمنى على إخواننا في اليمن أن يخفضوا سقف مطالبهم، ويتيحوا مجالاً للتفاوض، والصلح، فالصلح خير، ويجنبوا البلاد الانزلاق إلى هاوية سحيقة، لا يسعد بالهوي فيها إلا الحساد، والحاقدون. حفظ الله اليمن، وحفظ أهلها، وثبت أركانها، وأعاذها من كل فتنة عمياء مظلمة.