السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي نور قلوبنا بنور الإيمان ، وعرفنا من أسرار الحديث والقرآن ،
والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين
أمَّا بَعدُ:يقول الله تبارك وتعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23].
ومِن هؤلاءِ الأبطال المجاهدين الذين سَطر التاريخ الإسلامي صدقهم وأمانتهم وقوة شكيمتهم في دحر الأعداء الصليبيين - طارق بن زياد - رحمه الله.
لكن الروايات التاريخيَّة التي نسجت حول الخطبة المشهورة عنه وما قيل عن حَمل جيوشه على حرق السفن؛ ما تزال إلى اليوم تثير كثيرًا منَ السِّجال والنقاش؛ لهذا كانت هذه الدِّراسة لنقض الرِّوايات المتحاملة، وتحليلها تحليلاً علميًّا لدفع كل غبش وغموض يُقلل من أبطالنا؛الذين رفعوا راية الإسلام خَفَّاقة في قلب أوروبا النَّصرانيَّة، وما تزال مصادرهم مَلأى بالتَّشهير والتَّزوير لحقائق هذا الرَّجل العظيم؛ لكن الطَّامَّة الكبرى أن نعثرَ في مراجع بني جلدتنا وممن يسمون بأسمائنا طروحات وأفكار الغرب النصراني الحاقد، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
1-المعطيات الأوليَّة للموضوع:
- التعريف بشخصيَّة طارق بن زياد:
هو طارق بن زياد، وُلد سنة 50 هـ - 640 م، وتولَّى طنجة سنة 89 هـ - 707م، ثم فتح الأندلس سنة 92هـ - 710 م. أمَّا وفاته فكانت على الأرجح سنة 102 هـ، وقد اختلف في نسبه،ولكن أرجح الأقوال أنَّه أمازيغيٌّ قُحٌّ؛ ولكنَّه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذارى أبوين في الإسلام، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبدالله،ويبدو أنَّه ليس هو الذي أسلم أوَّلاً بل والده وجده الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربيَّة إسلاميَّة، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربريَّة، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله(1).
أورد ابن عذاري المراكشي أيضًا في كتابه "البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب" أنَّ نسب طارق بن زياد هو: طارق بن زياد بن عبدالله بن لغو بن ورقجوم بن نير بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو… فهو نضري(2).
كما استخلص الدكتور محمد علي الصلابي(3)
من بعض المصادر التاريخيَّة أوصافًا لطارق بن زياد: طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللَّون، وهي صفات فيما يبدو بربريَّة، أسلم على يد موسى بن نصير - رحمهما الله، وليس كما ذهبت بعض المصادر إلى أنه فارسي وأخرى قالت إنه عربي.
وصفوة القول:أن طارقَ بن زياد، فاتحَ الأنْدَلُسِ، ولد سنة 50 هـ، تجمع أغلب المصادر على أصله البربري، أَسلم على يد موسى بن نُصَيْرٍ ، فكان من أشدِّ رجاله، ولما تَمَّ لِموسى فتح طَنْجَةَ ولّى عليها طارقًا سنة 89هـ،فأقام فيها إلى أوائل سنة 92هـ، فجهّز موسى جيشًا قدره سبعة آلاف جنديّ معظمهم من البربر لغَزْو الأندلس وفتحها، وولّى طارقًا قيادتهم، فنزل بهم البحر واستولى على الجبل (جبل طارق) وفتح حصن "قَرْطَاجَنَّة"،
ولَمَّا علم طارق بقدوم جيشٍ للأعداء كبيرٍ يقوده الملك "لُذْرِيق" طلب من موسى تعزيزًا فأرسل له خمسةَ آلاف جندي، فأعدَّ طارق جيشه وحارب الملك "لُذريق " فقتله، ثم تَغَلْغَلَ في أرض الأندلس وافتتح "إشْبِيلِيَة" و"إستجة" وأرسـل من استولى على "قُرْطُبَة" و"مَالَقة"، ثم فتـح "طليطلة" عاصِمة الأندلس. تُوُفِّي طارقٌ بن زيادٍ سنة 102هـ.
- نص الخُطبة:
قال: أيُّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم - والله - إلا الصدق والصبر، واعلموا أنَّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ منَ الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوُّكم بِجَيشِه وأسلحتِه، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سُيوفكم، ولا أقوات إلاَّ ما تستخْلِصونه من أيدي عدوِّكم،وإن امتَدَّت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية،فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة، وإن انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإنّي لم أحذِّركم أمرًا أنا عنه بنَجْوة، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا)(4)أبدأ بنفسي، واعلموا أنَّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَهِ الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ منَ الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمَرْجان،والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقدِ انتخبكم الوليد بن عبدالملك أميرُ المؤمنين منَ الأبطال عُزْبانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا وأختانا، ثقةً منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفُرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته،وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصًا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدَّارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه،وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم "لذريق" فقاتِلهُ - إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنَّهم بعده يُخْذَلون(5).