دمعة ساخنة.. على واقع الحجاب عند الحرمين أثناء المواسم ( رمضان مثلاً )
السلام عليكم ورحمة الله..
أسعد الله مساءكم إخوتي وأخواتي بكل خير..
مكة المكرمة والمدينة المنورة.. بلدانِ عزيزانِ على قلبِ كلّ مسلم، تحنّ إليها القلوب وتشتاق إليها النفوس، يفد إليها البعيد قبل القريب بقلبه قبل جسده، وبعبَراته قبل عباراته، وقد لا يجد من ماله أو عمره ما يشفع له بتكرار الزيارة مرة أخرى، خصوصاً من نأت دياره وبعُدت عن البقاع الطاهرة، ولذا فزيارتهُ لهذه المدينتين المقدستين تساوي في نظرهِ الدنيا ومافيها ولا ملامةَ عليهِ في ذلكَ..
ومن فضله سبحانه على عباده أن شرعَ لهم أماكن مخصوصة وأزمنة مخصوصة، يمكنهم من خلالها رفع رصيدهم الإيماني والتحليق في سماءِ العبودية الحقة له سبحانهُ، والتي تمنحهم العزّ والسؤددَ في أرضهِ، وهذهِ سنتهُ في الذينَ خلوا من قبل "وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا منكُم وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنهم في الأرضِ كما استخلفَ الذينَ من قبلهم" ، وربما أكرَمَهُم الكريمُ بالجمعِ لهم في عملهم الصالحِ بين المكان الفاضل والزمن الفاضل "نور على نور" ، كحال صائم رمضان في مكة والمدينة، وكحال المُعتمر في رمضان المبارك، ومن كتبَ له الله هذا الجمع فهو أسعد الناس بفضل الله ورحمته، وهو الذي وصل إلى مقامٍ يجب أن يسعى غيره للوصول إليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..
وكما أنّ للحسنةِ في المكان والزمان الفاضلين إختلافٌ في الأجرِ والثوابِ عن مثيلاتها في غيرهما؛ فإن السيئةَ كذلك تختلف في جُرمها وعظمها فيهما عن غيرهما، وليس هذا تقليل من أثر المعصيةِ في غير المكان والزمان الفاضلين، إذ هي شؤمٌ وعارٌ على صاحبها أياً كانت ومتى كانت، إلا أن اقترافها ومزاولتها مع وجود الفضيلةِ التي تعمّ المكان أو الزمان تجعل جرمها أعظم وأشدّ..
ولذا فإنه يجدرُ بكل من تاقت نفسه لزيارة تلك الأماكن المقدسة والإستزادة من الطاعة فيها أن يفكر ويتأمل في حاله، ماهي الحسنات التي سيعود بها وماهي السيئات التي قد يقترفها؟
والأمرُ - بطبيعة الحال - لا يختصّ بالرجل وحدهُ، بل يشمله ويشمل كذلكَ نصفهُ الآخر المرأة.. وكم يعتصر القلبُ حزناً وأسىً على واقع حجاب بعض نساءِ المسلمين بجوار الحرمين وربما داخلهما ..
فبالرغم من أن حال أعداد كثيرة منهن تسر القلب وتسعد الفؤاد، إذ يراها الرجل فلا يدري هل هي سمراء أم بيضاء، ولا يحيط بتفاصيل جسدها ولا لون بشرتها ويعود بصره إليه كما أرسله؛ إلا أنه في المقابل نجد حال بعضهن مع الأسف الشديد يسوء ولا يسر، كشف للوجهِ بعد تزيينه بهيئة لا تتناسب مع قداسة المكان وحرمته وبطريقة يحرّمها كل مذهب بما في ذلك من يجيز كشف الوجه، وإختيارٌ سيءٌ للعباءاتِ الضيقةِ والمخصرة، أو بوضع لا يسر للنقاب أو ما يسمى بالطرحة بطريقة تغري أكثر مما تستر..
ويتعجب المرء المسلم وهو يرى هذه المناظر في مثل تلك الأماكن المقدّسة، وتدور في مخيلته الأفكار والتساؤلات: هل هذه المرأة قدمت لكسب الحسنات أم كسب السيئات؟ وهل هي فعلاً جادة في إغرائها أم أنها ساذجة لا تبالي بما تلبس ولا تقصد بملبسها إلا مجرد الخروج بمظهرٍ ألِفت الخروج به في ديارها التي تسكنها!!
ولعلّ المقام يسمحُ بالتطرقِ إلى ظاهرة هامّة لا يُمكن إغفالها، وهي أن بعضَ الأخوات تضعُ حينَ ذهابها إلى مكة أو المدينة نقاباً يبدي العين وما حولَهَا وهذهِ فتنةٌ لكلّ من أطالَ نظره مِنَ الرجالِ إليها، وإن كنّا نطالب الجنسين بغضّ البصرِ فإنّا نطالبُ في الوقتِ ذاتهِ أخواتنا العفيفات بإخفاءِ ما يجعلُ الرجل ينظر له من زينةِ المرأة..
والأمر لا يقتصر على النقابِ وحدَهُ بل يشملُ معه كذلكَ وضعُ الحجابِ من أعلى الرأسِ بطريقة تبدو ملفتة لانتباهِ الرجل، وقد سألتُ عنها فقيلَ لي هي الطرحة النجدية.. حيثُ تضعُ المرأةُ الطرحةَ على رأسها من الأعلى - بطريقة تشبه وضع الشماغ - مع لبسها للنقاب، وطالما أن فيها جذبٌ للرجلِ فإنه حريٌ بالمرأةِ أن تبتعدَ عنها حتى لا تفتن مَن حولها بمظهرها وتغرم من حيث أرادت المغنم، ولعل وضعها للحجاب بتلكَ الطريقةِ وإن كانَ فيهِ جذباً للرجلِ إلا أنها قد لا تقصدُ بهِ من ذلكَ مقصد سيء، وهذا ما يجعلُ التفاؤلَ بإزالتهِ في تلك الأماكن المقدّسة محتملٌ بنسبةٍ كبيرةٍ..
أختي العفيفة..
يا حفيدة الطاهِرة عائشة والشهِيدة سُميّة.. أعيذك بالله أن يكونَ التبرجُ شعاركِ والتزينُ مقصدكِ وأنتِ في أطهر بقاع المعمورة؛ مكةَ والمدينةَ..
واعلمي أيتها العفيفة أنكِ بحجابكِ وسام فخرنا وقٌنّة شرفنا وتاج عزنا وورقتنا الرابحة التي نمتاز بها على كل الأمم التي تعيش معنا اليوم، والذي نأمله ونرجوه منكِ أن يكون الحجاب الساتر هو شعاركِ في كل محفل، ويزداد حرصكِ عليه في الأماكن المقدسة كمكة والمدينة..
وإن لم تألفي إرتداءَ الحجابَ الشرعيّ الساترَ في بلدتكِ التي تسكنيها فجرّبي أن ترتديهِ إذا ذهبتِ إلى تلك الأماكن المقدسة وستستشعري الفرق بين الأمرين جيداً، أفلا تتأملي - رعاكِ الله - في حال والدكِ وأخيكِ وزوجكِ حين تركوا الثيابَ الفاخرةَ والمَلابس الراقية ليرتدوا قطعتينِ من القمَاش الأبيض في تواضعٍ وانكسار إلى ملك الملوك؟ أهم أحسن حال منك أن يقدموا على ربهم باللباس الذي يرتضيه لهم وتقدمي أنتِ باللباس الذي لا يرتضيه لكِ؟
ولاشك لديّ في أنكِ وإن لبستِ عباءة مخصرة أو أخذتِ بفتوى من يجيز كشف الوجه أو تبذلتِ في مظهركِ أثناء وجودكِ في تلك الأماكن المقدّسة فإنك لا تقصدي إغراء الشباب ولفت انتباههم، فلديّ إلمام متواضع بمدى بساطتكِ وطيب نيتكِ وغفلتكِ عن تلك المقاصد السيئة، وهذا ما يجعلني أزداد حرصاً على أن أراكِ عزيزة بحجابكِ فخورة بهِ، حتى تقفي به سداً منيعاً في وجه كل داعٍ إلى التحرر المزعوم..
أسطرٌ مُزجت بالألم والأمل، ألمٌ من حال بعض الأخوات هناك في الأماكن المقدسة، وأملٌ بأن يتغيّر حالهن ليصبح أكثر إلتزاماً بالشرع وتعاليمه، يسّر الله لأخواتنا وبناتنا التمسك بالحجاب الساتر، ورحم الله كل أب وأم ربّوا بناتهم منذ الصغر على الحجاب والحشمة..
أشكركم على التكرم بزيارة الموضوع، ولا تنسوني ووالديّ من صالح دعائكم..
وأرجو في ختام الموضوع من الأخوات المُكرمات أن يتفضلن بنقل الموضوع إلى المواقع النسائية، وحقوق نقله متاحة لكل مسلم ومسلمة، حتى يطّلع عليه أكبر قدر من أخواتنا وبناتنا، نفعنا الله وإياكم بما نكتب وجعله في موزاين أعمالنا الصالحة يوم نلقاه..