[frame="14 10"]
هل نُقبِّل يد السارق؟!!!
(هل نعيش اليوم الذي تقطع فيه يد السارق في مصر,وترجم الزانية بالحجارة حتى الموت وتجلد المرأة بالسياط لأنها ارتدت بنطلوناً وتشبهت الرجال) يمضي فيقول (أعتقد أن غالبية الشعب المصري لا تريد أن تعيش هذا اليوم...) بهذه الكلمات تحدث شريف الشوباشي في مقاله بجريدة الأهرام المصرية الأربعاء الماضي 6-4-2011 والتي اختار لها عنوان: هل نقطع يد السارق؟
وفي الحقيقة لا أدري ما الذي يهدف له الكاتب الموقر من هذا الكلام للشعب المصري ,وما هي الرسالة التي يحملها على عاتقه لتبليغها لكل مواطن يعيش على أرض الكنانة ؟
إن الكاتب يحمل قلباً رحيماً –وهذا شيء يحسد عليه-على المجرمين واللصوص وناهبي ثروات البلاد ,فالرجل يشعر بهذه الفئة الضعيفة والمسكينة والتي تحس بظلم المجتمع لها وأنه يقف لها بالمرصاد ويودعها السجون والمعتقلات إذا ارتكبت أفعالاً يعاقب عليها القانون كالسرقة والاختلاس أو الاستيلاء على المال العام بغير حق ,فهؤلاء لو أخطأوا فلماذا لا نسامحهم ونعفو عنهم ونقول :عفا الله عما سلف؟
وأسأ حضرة الكاتب الموقر:إذا كانت هذه الرحمة للمجرمين فلمن يكون العقاب؟
مَن الذي يودع السجون ,الشرفاء والأطهار ؟
هل لو قام أحد اللصوص بسرقة بيته ماذا سيفعل؟
لماذا لا يعلن عن بيته وعنوانه للمفسدين ليأخذوا ما فيه؟
وهذا الكلام الخطير يحمل في طياته العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مغزى تصريحاته:
أولاً:نحن لم نعين الكاتب الموقر وصيا علينا فقد ولى زمن الوصاية ,ومن الذي وكله للحديث باسم الشعب المصري الذي يعشق الإسلام بكل شرائحه؟
فإذا أراد الكاتب أن يتكلم فليتكلم عن نفسه فقط,أما الغالبية الساحقة من أبناء مصرنا الغالية فتستطيع التعبير عن مرادها وأحلامها ولم تعط توكيلاً لأحد المحامين بالدفاع عنها وعن قضاياها,وتلك مسألة محسومة على الكاتب وأمثاله أن يكون على علم بها.
ثانياً:مصر بلد الإسلام وهذه شهادة لا تحتاج إلى توثيق أو برهان ,لأته لو دخل الكاتب الموقر المساجد في رمضان وقام بجولة على العديد منها وفي أماكن مختلفة لرأى حب الشعب للإسلام وتغلغل العقيدة في ضميره وجدانه ,وكذلك الحال في صلاة الجمعة وشاهد هذه الجموع التي تصلي الجمعة في كل أسبوع وهي تسعى بالملاين في منظر رائع يعلن أن الشعب قد اختار الهوية الإسلامية ولا يرضى عنها بديلاً.
ثالثاً:من أين جاء بهذه النتيجة أن غالبية الشعب المصري لا تريد قطع يد السارق؟هل استطلع الكاتب آراء الناس والتقى بهم وعرف ذلك منهم؟أي مركز بحثي أعد دراسة أو تقريراً يبين أن المجتمع لا يرغب في تطبيق الإسلام في مصر؟إن أي متابع للشأن المصري يدرك أن المصريين ربطوا مصيرهم بالإسلام فقط وليس بأي مذهب آخر.
رابعاً:ما هي صورة مصر التي يحلم بها؟لقد تركنا الكاتب نضرب أخماساً في أسداس عن الشكل الذي نود أن تكون عليه بلادنا في المستقبل القريب ,ولكنه أراد التخفيف عنا وحتى لا نختلف ويريحنا من همِّ البحث عن الإجابة وتكرم مشكوراً بالإجابة عن جموع الشعب المصري وذكر:أن غالبية الشعب لا تريد قطع يد السارق إلى آخر ما قال كما هو مذكور في صدر المقال,ماهي مواصفات الدولة العصرية في نظر الكاتب المبجل؟!!
هل هي دولة تعادي شرع الله تعالى وتعطيه ظهرها؟
أيحب أن يرى في البلاد النساء الكاسيات العاريات بحجة تنشيط السياحة؟
هل يتمنى أن تزدحم مصر بالمحلات التي تبيع الخمور في كل شوارع مصر وبترخيص من الدولة؟
هل يسمح برعاية الشاذين جنسياً و العيش على أرض الكنانة؟
هل يؤمن بحرية الكلمة حتى ولو كان فيها التجرؤ على الذات الإلهية؟
بيَّن لنا الدولة التي تطمح إليها أنت ومَن على شاكلتك؟
خامساً:قطع يد السارق هو حكم الله ألا ترضى بحكمه؟!!
إنني أذكِّر الكاتب المحترم بأن يفتح كتاب الله تعالى ويقرأ فيه لعله يجد الإجابة أمامه صريحة ,فالله تعالى يقول(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)سورة المائدة:الآية38 )
وهذه المرأة المخزومية التي سرقت ماذا فعل النبي معها :هل سامحها وعفا عنها؟ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ ، فَقَالَ وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » . ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ، ثُمَّ قَالَ « إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا »رواه البخاري.
أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة لنا؟
يقول تعالى( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...) فنحن عندما نقطع يد السارق نلتزم بالشرع الإسلامي وننفذ قانون صاحب الأرض والسماء :ألا له الخلق والأمر.
ثم إنني أسالك :بربك أخبرني عن دولة في العالم تتسامح مع اللصوص؟
هلا أخبرتنا باسم دولة لا تعاقب السارق بل تعطيه الحماية وتمنع التعرض له بالسجن أو المحاسبة؟
يا أخي لا يوجد نظام في الدنيا كلها يترك لسارق يفعل ما بدا له وإلا كانت الطامة وانهار عقد المجتمع وتحولت الحياة إلى غابة البقاء فيها للأقوى وهذا لا يقوله عاقل في دنيا البشر.
في قوانين البلاد المختلفة نص على إنزال العقاب بالمخالفين لأحكام القانون ولكنها تختلف في نوعية العقوبة ووقتها ولكنها مُجمِعة على ردع المجرمين في كل الجرائم ومنها جريمة السرقة والفرق بين الإسلام والقوانين الأخرى أن الإسلام يقطع يد السارق في حين النظم الأخرى قد تودعه السجن أو تصادر المبلغ المسروق أو تودعه مصحة للعلاج.
ولكن الحل الإسلامي فيه الخير لأنه تنزيل من حكيم خبير.فالسارق قد يودع السجن وهو لا علم له بالانحراف ولكن الظروف ساقته إلى هذا المصير المجهول فيدخل السجن ويحتك بعتاة الإجرام ويتلقى عنهم فنون الجريمة ويتعرف على أساليبهم الوحشية وبعد أن كان مجرما صغيراً يتحول إلى مجرم لديه عِلم بالعديد من الطرق لإفساد الحياة لأنه خالط المجرمين ولو أنه قطعت يده لوفر على الدولة ملايين الجنيهات التي تنفقها في بناء العديد من السجون والتي يقوم بحراستها الكثير من رجال الشرطة وهذا نوع من تحميل ميزانية الدولة عبئاً كبيراً كان الأولى توجيهه لتوفير الحياة الكريمة للشعب المصري.
ساساً: تعظيم سلام للسارق:وهذه نصيحتي لكم جميعاً:لا تعكروا على السارق وقت السرقة؟ قل للسارق أتريد كوباً من الشاي أو القهوة؟أتحب أن تراني في البيت أم أنصرف وأعود لك بعد ساعة؟ دعوه يسرق بمزاج؟اتركوه يتفنن في السرقة ويبتكر لنا وسائل جديدة لنسبق العالم في هذا المضمار ونحرز سبقاً غير مسبوق في تاريخ الإنسانية!!!
إذا دخلتَ بيتك ووجدتَ سارقاً فاضرب له تعظيم سلام ثم للخلف در وقل له:قواك الله يا أخي في مهمتك,ألا تريد مساعدة مني ,هل تبغي مفتاح السيارة والمصنع, وقدم له العون والمساعدة!!!
رسالة لكل الشعب استسلموا لإخوانكم اللصوص ولا تضايقوهم وهم يمارسون عملهم!!!
لقد نسي الكاتب هذا الحوار الذي تمَّ بين الرسول الكريم وبين أحد أصحابه, عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى قَالَ « فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى قَالَ « قَاتِلْهُ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى قَالَ « فَأَنْتَ شَهِيدٌ ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ « هُوَ فِى النَّارِ ».رواه مسلم.
الرسول لم يدعو الرجل للاستلام وترك المجرم يعبث في المجتمع دون مقاومة من الناس لان السلبية تعرِّض حياة البشر للخطر والفناء.ووضَّح له أنه لو قتل السارق فجزاؤه النار-أي السارق- أما لو قتل السارق صاحب الحق فإن جزاء المقتول وهو يدافع عن ماله الجنة .
سابعاً:لماذا لم تتحدث عن أسباب المشكلة؟
كنا نتمنى من الكاتب البحث في مشكلة السرقة من حيث أسبابها والدوافع التي تدفع الشخص نحو ولوج طريق الجريمة والاستهانة بحياة الناس وأموالهم,كذلك الحديث عن علاج هذه الظاهرة ولفت أنظار المثقفين إلى ضرورة مواجهة المجرمين حتى لا يعكروا صفو المجتمع وأمنه.
كان من المنتظر أن يذكر من بين أسباب انتشار السرقة في الحقبة الماضية هو النظام السابق المستبد والذي ترك البلاد خاوية على عروشها من الثروات والخيرات,كل هذا صب في إفلاس المجتمع ولذا وجد البعض الفرصة في الجريمة ليعيش هو ومَن يعولهم ,معنى ذلك لو الظروف طيبة لسلك سبيل الطهارة والعفاف بدلاً من العيش على أشلاء الفقراء والمساكين.
لو أن الكاتب شغل نفسه بهذا لكان فيه مصلحة مصر وهو من باب تركيز الجهود نحو بناء الدولة المصرية من جديد على أسس سليمة وقوية.
ثامناً:الوقيعة بين أبناء البلد الواحد:وبعد ذلك يقول الكاتب في مقاله(... ومع ذلك فمعركة الديمقراطية لا ينتصر فيها طرف من الأطراف مسبقاً,وعلى القوى الليبرالية والواعية والمحبة للحرية أن تقطع الطريق أمام قوى التطرف والغلو التي ترتفع أصواتها بقوة هذه الأيام ,وأصبحت تتغلغل بن الناس كما لم يحدث من قبل في تاريخ مصر الحديث)
زمن الفزاعة من الإسلام والإسلاميين لم ينته بعد ولكن حدث تغير في القائمين بهذا الدور ففي الماضي قاد العملية النظام السابق,وبعد نجاح الثورة تبنى هذا النهج بعض المثقفين والذين لم يتعلموا من دروس الواقع شيئاً يدل على وعيهم للساحة الجديدة التي تشكلت داخل المجتمع المصري.
أخيراً: نتمنى من كتابنا المصريين: الكف عن وصف العاملين للإسلام بالتطرف والإرهاب وتخويف المجتمع منهم ,وأدعو إلى فتح صفحة بين أبناء شعبنا الطيب العريق فنجعل خلق التسامح والتعاون ونبذ الخلافات وإيثار مصلحة الأمة العربية والإسلامية على المطامع الشخصية هو شعارنا في هذه المرحلة التي تحياها المنطقة العربية في الوقت الراهن .
هيا نرفع هذا الشعار الجميل:نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأصلح أحوالنا وحفظ بلادنا وبلاد المسلمين جميعاً من كل مكروه وسوء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمود شمردن
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
[/frame]