( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ
وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً وَ اللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
[ البقرة : 268 ]
الفوائد :
1- من فوائد الآية : إثبات إغواء الشياطين لبني آدم
لقوله تعالى : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ . . . ) .
2 – و منها : أن للشيطان تأثيراً على بني آدم إقداماً ، أو إحجاماً
أما الإقدام : فيأمره بالزنى مثلاً ، و يزين له حتى يُقْدم عليه
و أما الإحجام : فيأمره بالبخل ، و يعده الفقر لو أنفق
و حينئذٍ يحجم عن الإنفاق .
3 – و منها : أن أبواب التشاؤم لا يفتحها إلا الشياطين
لقوله تعالى : ( . . . يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ . . . )
فالشيطان هو الذي يفتح لك باب التشاؤم يقول لك :
" إذا أنفقت اليوم أصبحت غداً فقيراً ؛ لا تنفق "
و الإنسان بشر : ربما لا ينفق ؛ ربما ينسى قول الله تعالى :
( . . . و ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه و هو خير الرازقين )
[ سبأ : 39 ]
و قول رسوله صلى الله عليه و سلم : ( ما نقصت صدقة من مال )
الراوي : المحدث : ابن عثيمين – المصدر : شرح رياض الصالحين
الصفحة أو الرقم : 3/408 ـ خلاصة حكم المحدث : صحيح
4 – و منها : بيان عداوة الشيطان للإنسان
لأنه في الواقع عدو له في الخبر ، و عدو له في الطلب
في الخبر : يعده الفقر ؛ و في الطلب : يأمره بالفحشاء
فهو عدو مخبراً ، و طالباً – و العياذ بالله – .
5 – و منها : أن البخل من الفواحش ؛ لأن المقام مقام إنفاق
فيكون المراد بالفاحشة : البخل و عدم الإنفاق .
6 – و منها : أن من أمر شخصاً بالإمساك عن الإنفاق المشروع
فهو شبيه بالشيطان ؛ و كذلك من أمر غيره بالإسراف فالظاهر أنه شيطان
لقوله تعالى : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفوراً )
[ الإسراء : 27 ]
7 – و منها : البشرى لمن أنفق بالمغفرة ، و الزيادة
لقوله تعالى : ( . . . وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً . . . )
و شتان ما بين الوعدين :
( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ . . . )
( . . . وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً . . . )
فالله يعدنا بشيئين : المغفرة ، و الفضل
المغفرة للذنوب ؛ و الفضل لزيادة المال في بركته ، و نمائه .
فإن قال قائل : كيف يزيد الله تعالى المنفِق فضلاً
و نحن نشاهد أن الإنفاق ينقص المال حساً
فإذا أنفق الإنسان من العشرة درهماً صارت تسعة ؛ فما وجه الزيادة ؟
فالجواب : أما بالنسبة لزيادة الأجر في الآخرة فالأمر ظاهر
فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة
و من تصدق بما يعادل تمرة من طيب – و لا يقبل الله إلا الطيب -
فإن الله يربيها له حتى تكون مثل الجبل
و أما بالنسبة للزيادة الحسية في الدنيا فمن عدة أوجه :
الوجه الأول : أن الله قد يفتح للإنسان باب رزق لم يخطر له على بال
فيزداد ماله .
الوجه الثاني : أن هذا المال ربما يقيه الله سبحانه و تعالى آفات
لولا الصدقة لوقعت فيه ؛ و هذا مشاهد ؛ فالإنفاق يقي المال الآفات .
الوجه الثالث : البركة في الإنفاق بحيث ينفق القليل
و تكون ثمرته أكثر من الكثير
و إذا نُزعت البركة من الإنفاق فقد ينفق الإنسان شيئاً كثيراً
في أمور لا تنفعه ؛ أو تضره ؛ و هذا شيء مشاهد .
8 – و منها : أن هذه المغفرة التي يعدنا الله بها مغفرة عظيمة
لقوله تعالى: ( . . . مِنْهُ . . . ) ؛ لأن عظم العطاء من عظم المعطي
و لهذا جاء في الحديث
الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر :
( فاغفر لي مغفرة من عندك و ارحمني )
الراوي : عبدالله بن عمر و أبو بكر الصديق ـ المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 4400
خلاصة حكم المحدث : صحيح
9 – و منها : أنه ينبغي للمنفق أن يتفاءل بما وعد الله
لقوله تعالى : ( . . . وَ اللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً . . . )
فإذا أنفق الإنسان و هو يحسن الظن بالله عز و جل
أن الله يغفر له الذنوب ، و يزيده من فضله
كان هذا من خير ما تنطوي عليه السريرة .
10 – و منها : إثبات اسمين من أسماء الله ؛ و هما :
( . . . وَاسِعٌ . . . ) و ( . . . عَلِيمٌ ) و ما تضمناه من صفة
و يستفاد من الاسمين ، و الصفتين إثبات صفة ثالثة باجتماعهما
لأن الاسم من أسماء الله إذا قرن بغيره
تضمن معنًى زائداً على ما إذا كان منفرداً
مثل قوله تعالى : ( . . . فإن الله كان عفواً قديراً )
[ النساء : 149 ]
فالجمع بين العفْوِ و القدرة لها ميزة :
أن عفوه غير مشوب بعجز إطلاقاً ؛ لأن بعض الناس قد يعفو لعجز
فقوله تعالى : ( . . . وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) فالصفة الثالثة التي تحصل باجتماعهما :
أن علمه واسع . و كل صفاته واسعة ؛ و هذا مأخوذ من اسمه « الواسع »
فعلمه ، و سمعه ، و بصره ، و قدرته ، و كل صفاته واسعة .
هذه المادة مقتبسة باختصار من تفسير سورة البقرة ـ 3
لفضيلة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين
غفر الله له و لوالديه و للمسلمين