السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.د. صلاح الدين سلطان
عندما ركزتُ النظر والتأمل في سورة الحج، بدا لي من الوهلة الأولى أن هذه السورة تنفرد بخصائص عديدة أهمها ما يلي:
1- اسم السورة "الحج" يعتبر بذاته خاصية فريدة حيث لا توجد سورة في القرآن الكريم باسم شعيرة أخرى مثل الصلاة أو الزكاة أو الصيام، رغم أهمية هذه الشعائر كلها، ولعل الله تعالى أراد لهذه الشعيرة التي تجمع الأمة كلها في مكان واحد حول المسجد الحرام والكعبة المشرفة وبأرض عرفة؛ لكي تحقق من المقاصد ما لا تحققه عبادة أخرى، وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية العبادات الأخرى، فالصلاة عماد الدين ولا تسقط إلا عن حائض أو مجنون، أما بقية العبادات فقد لا يستطيع أن يؤديها المسلم كأن يكون مريضًا مرضًا مزمنًا فلا يستطيع الصيام فيخرج الفدية، أو أن يكون فقيرًا فقرًا مدقعًا فلا يستطيع أداء الزكاة بل هو من مستحقيها، وهناك ملايين المسلمين لا يجدون إلى الحج سبيلاً إما لفقر أو لمرض أو عدم وجود محرم، ومع هذا فقد أراد الله –تعالى- أن يجعل لهذه الشعيرة العظيمة سورة باسمها لحكم ربانية يعلمها سبحانه، وقد ندرك بعضها بتوفيقه ومنته.
2- في هذه السورة سجدتان في الآيتين (18 و77)، على الرغم من أن أول سجدة في القرآن الكريم وردت في الجزء التاسع في سورة من طوال المفصل وهي سورة الأعراف، إلا أن سورة الحج خصَّها الله تبارك وتعالى بسجدتين دون بقية السور، والسجود عند المؤمنين ذروة التعبد والتقرب إلى الله –تعالى-، كما أن الامتناع عن السجود كان أول معصية حدثت في تاريخ الخلق من الشيطان الرجيم.
3- لم يرد في أية سورة من القرآن الكريم وصف الله تعالى بأنه القوي العزيز مرتين إلا في سورة الحج بأعلى درجات التوكيد في قوله -تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" في الآيتين [40 و74] باستعمال إنَّ للتوكيد، واللام قبل الخبر في "لَقَوِيٌّ" على حين ورد هذا الوصف مؤكدًا مرة واحدة في سورة الأهوال "هود"، في قوله تعالى: "إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ" [هود : 66] ، والتوكيد هنا ب"إنَّ" و"ال" التعريف التي تدل على انفراده –سبحانه وتعالى- بالقوة والعزة الكاملتين، وورد مرة واحد أيضا في سور الأحزاب (25)، والشورى (19)، والحديد (25)، والمجادلة (21). وبهذا يكتمل وصف الله –تعالى- أنه القوي العزيز سبع مرات في القرآن الكريم كله، وانفردت سورة الحج منها بمرتين، وهذا يؤكد أن سياق الآيات في التدافع بين الحق والباطل مضمون فيه الغلبة للمؤمنين إذا أحسنوا التوكل -لا التواكل- على الله القوي العزيز.