كتبه هشام خالد
لن يكون اعتذاري اليوم هو تأسيس لإساءة مستقبلية لشخص ما , ولن يكون أسفا باردا فيكون إهانة ثانية , وإني لأعلم جيدا أن الأعذار السيئة أسوأ من عدمها ..ولن أفسد اعتذاري بالتبرير , فإن أصعب حقيقة على المرء أن يدرك بأنه مخطئ ولعله أصعب أن يعترف بذلك الخطأ .. ومن منا ليس بمخطئ في حق أمور كثيرة !!ومن ثم فقط أرجو أن يكون ذلك الاعتذار جبيرة تصلح بعض الانكسارات , و ضمادة لبعض الجروح العميقة التي قد خلفتها ورائي وتبلورت في قلوب ودموع لا تحصى ولا تعد .مرت سنين عمري المعدودة وهأنا الآن فقط قد تغير إدراكي لبعض الأشياء المهمة , فقد ادركت ان الاعتذار ليس فقط على الاشياء والماديات بل ينبغي أن يحوي العمر كله ..وبينما أسير عبر الايام أحببت أن ابلغ أسفي للبيوت الراحلة , للناس والقلوب , وطير النورس الذي اعتاد التحليق فوق ذلك الموطن .. وعلى أشجار الزيتون , واليوم تدفق نهر اعتذاراتي من ارض القدس فلسطين .. يسري على موطني , يجوب العالم بأسره .اعتذر إليك ربي , عن غفلة غشيت كثيرا من ليالي عمري , عن دمعة سقطت في خوف أو رجاء لغيرك كان مستقبلا مجهولا او حلما ضائعا , عن النسيان والتفريط والعصيان , وأعلم أنك سميع مجيب الدعاء , انك غفور رحيم .اسف يا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) , وأي أسف يجدر بي ان ارسله إليك ؟ بدموع الزمن الحزين , ام الإنسان المقصر إذ كانت الإساءة إليك عملة بين الحقراء على موائد البخس المباع يصلون بها إلى الشهرة ويحصلون بها المال , وكنت انا واقفا في شرفتي بلوحتي " فداك أبي وأمي ونفسي " ولم افتديك بأبي ولا بأمي ولا بنفسي بعد !!أخجل لطلبي من الله شفاعتك , بدون أن اقدم شيئا بين يدي , اعتذر لانتظاري ان تناديني فيمن تناديهم " أمتي أمتي " .. وانا العبد السقيم من الخطايا ...أعتذر إلى الإسلام .. فلم اكن بلال بن رباح ( رضي الله عنه ) ولم أعان العذاب والقهر في سبيله بقدر ما يستحق , كثيرا ما أسأت إليه بدون قصد , فلم اكن قرآنا يمشي على الأرض , تقاعست عن نشر دعوته , وامتطاني الفتور عن العمل , فلم اكن " حسن البنا " ولا " الشافعي " .. إلا أن القليل من عملي مع نيتي البيضاء عزائي الوحيد ..أسف يا كتاب الله .. قرآني , وعزي وشرفي .. اعتذر إليك يا نبض حياتي , هجرتك هجر المحب لمن يحب , ولكنني احن إليك كثيرا كلما ذكرتك واستحيي كلما أخلفت معك العهد الجديداسف فأنا حافظ القران الذي اخجل ان انطق بها وانا ارى ذنوبي تنهمر يوما فيوما , فقد كنت استطيع ان اسعى واجتهد اكثر من ذلك في الإلمام بك , ونشرك , وجعلك ساطعا في سماء الناس الذين قد هجروك هجرا قاسيا ..أعتذر لكما أمي وأبي , عن شهقة قد انتابتكم قلقا على حياتي او مستقبلي , عن كلمة طيبة بخلت بها عليكم أياما طوال , أسف على أفٍ ومشتقاتها , فلم اجد في نفسي الصحابي الذي لم يرفع عينه على امه قط , احتراما لها , ولا الذي قام من درس العلم الممتع أو لحظات نوم غالبة ليطعم الدجاج - كما أمرته أمه – فنهض مسرعا لبيك يا أماه .. !أعتذر على الشيب الذي يلمع في لحية أبي ليحكي قصة النعيم الذي أعيشه , فخال له انه سيفارقنا قبل ان تطمئن أخر شعراته السوداء على مستقبلنا المجهول في عالم يسرق فيه الكحل من طرف العين ...