في ذلك اليوم من أوائل نيسان عام 2003م ، تلك الأيام التي نُكِبت فيها بغداد و سُلِمت يداً بيد ، و في أحد شوارع منطقة المنصور بالقرب من متنزه الزوراء ، تراكمت الجثث بعضها فوق بعض ، و اختلطت العظام بركام السيارات المحترقة ، و كلها جثث لمدنيين ، بدأت الجثث بالتفسخ لتبعث بروائح كريهة ضايقت سكان المنطقة ، و كان لا بد من التحرك رغم الخوف الذي كانت تبعثه تلك الطائرات التي لا تفتر عن أطلاق صواريخها و قذائفها على كل متحرك ، و تلك الصواريخ المنطلقة من كل جهة ، و رغم رائحة الموت التي أحاطت بالناس من كل جانب ، و الرعب الذي صار يتهيأ لهم في صور تلك الجثث المتفحمة ..
و بدأ الناس بالتحرك كل بحسب قدرته ، ذهب بعضهم إلى أقرب مسجد و طلبوا من الرجال أن يعينوهم على دفن الجثث ، لأنها تثير الرعب في الأطفال ، و لأن عورات النساء كانت متكشفة ..
لبى الرجال الصالحون النداء ، متحدين كل صعب و بدءوا بدفن القتلى باحثين عن أي مستمسك يرشدهم إلى هوية كل قتيل ليبلغوا أهله بعد ذلك ..
إحدى الجثث كانت قد تفحمت بالكامل ، و كانت صورتها بشعة جداً ، و كانت داخل سيارة (ميكروباص) من نوع (كيا) و قد عثروا داخل السيارة على هويته مع أوراق تسجيل السيارة و فيها اسمه و عنوانه الكامل ، و كان يسكن منطقة الرحمانية غرب العاصمة ..
كان ذلك بمثابة الأمانة في أعناق الرجال ، فلا بد أن يعملوا على إبلاغ أهله و لو كانوا في آخر المعمورة ..
ذهب الرجال بدلالة العنوان الذي معهم إلى بيت الرجل ، طرقوا الباب في خشوع و صمت ، فهي لحظات صعبة أن يحملوا خبراً كهذا إلى أهل الرجل المنكوبين ... و إذا بصاحب البيت يخرج عليهم ... بدءوا بكلمات متقطعة يخبرونه عن الحادث ، و أبرزوا له الشهادات و الأوراق التي تؤيد كلامهم .. و بعد لحظات من الصمت .. و إذا بمفاجأة تهزهم و تجعلهم يكبرون الله تعالى و يسبحونه ... ما هذا ؟!!! إنه نفس الرجل صاحب الهوية و الأوراق و السيارة المتفحمة !! ..
عندها تبينت الحقيقة ، لقد سرق اللصوص سيارته في ذلك اليوم و ماتوا فيها .. ماتوا متلبسين بالجرم المشهود ، ماتوا و هم سارقون .. لأن الله يمهل و لا يهمل ..
أسوق هذه القصة عسى من يصر على أكل الحرام و تغذية أولاده به أن يقف عندها متفكراً ، ليتوقف بعدها عن سيرته ليتوب إلى الله الذي و إن لم يكشفه أو يفضحه في الدنيا كما فضح هؤلاء السراق فسوف يفضحه أمام الخلق جميعاً في يوم الحساب.