التعلق بالله لا بالرجال ... دواء الانتكاس وصمام الأمان والآمال
أبو يونس العباسي
الحمد لله مثيب الطائعين على صالح العمل أجزل الثواب , ومجيب الداعين فهو أكرم من أجاب , يغفر الزلات ويقبل العثرات , ويجتبي إليه من يشاء , ويهدي إليه من أناب , يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل , فإلى متى يُؤخَّر المتاب , وأشهد أن لا إله إلا الله , شهادة لا يحجبها عن الإخلاص حجاب , وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله , أرسله الله بأفصح دين وأفصح كتاب , اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد والآل والصحب خير آل وأكرم الأصحاب وبعد ...
سبب المقال
أشاع الإعلام العربي في الآونة الأخيرة نبأ اعتقال أمير دولة العراق الإسلامية أبي عمر البغدادي – حفظه الله ورعاه - , فكان لهذا الخبر أثره السيئ على نفسيات شباب التوحيد وأنصاره , وعمت النظرة العابسة الحزينة اليائسة إلى حد ما على الوجوه , وظن البعض أن مشروع الجهاد تحت الراية الصافية في العراق قد سقط , أو شعر بذلك على أحسن الاحتمالات , وفرح الكثيرون بهذا الخبر واعتبروه خطوة متقدمة على طريق تنقية العراق من الإرهابيين أعداء المصالحة الوطنية , فكان لا بد من كتابة هذه الكلمات صونًا للمشروع الجهادي من السقوط , وإفشالا لخطط الأعداء الرامية لتدميره بمثل هذه الإشاعات التي تدمر الهمم وتقتل العزائم .
علق قلبك بالحي الذي لا يموت لا بمن سواه
ولعل القارئ اللبيب يسأل : ولماذا نعلق قلوبنا بالله ؟ فنقول لأن : الشيطان مسلط على قلوب بني آدم إلا من اعتصم بالله فهو في نجوة منه وأما من يركن إليه فهو لا ينفعه , بل يكون عدوا له ويرهقه ويؤذيه ... قال الله تعالى:"وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)"(الجن) ... ولعل هذا الرهق هو الضلال والقلق والحيرة التي تنوش قلوب من يركنون إلى عدوهم من شياطين الإنس والجن ، ولا يعتصمون بالله منهم ويستعيذون !!! قال الله تعالى :" وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)" (المؤمنون) , وقال أيضًا :" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)" (هود) , والقلب البشري حين يتعلق ويلجأ إلى غير الله ، طمعاً في نفع ، أو دفعاً لضر ، لا يناله إلا القلق والحيرة ، وقلة الاستقرار والطمأنينة ... وهذا هو الرهق في أسوأ صورة . . الرهق الذي لا يشعر معه القلب بأمن ولا راحة , وإن كل شيء وكل أحد سوى الله ، متقلب غير ثابت ، ذاهب غير دائم ، فإذا تعلق به قلب بقي يتأرجح ويتقلب ويتوقع ويتوجس ؛ وعاد يغير اتجاهه كلما ذهب هذا الذي عقد به رجاءه , والله وحده هو الباقي الذي لا يزول , الحي الذي لا يموت , الدائم الذي لا يتغير , فمن اتجه إليه اتجه إلى المستقر الثابت الذي لا يزول ولا يحول وكل ما عدا الله ميت ، لأنه صائر إلى موت ، فلا يبقى إلا الحي الذي لا يموت , والتوكل على ميت ، تفارقه الحياة يوماً طال عمره أم قصر ، هو ارتكان إلى ركن ينهار ، وإلى ظل يزول , إنما التوكل والتعلق على الحي الدائم الذي لا يزول , قال الله تعالى :"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) "(الفرقان) .
ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت
إن من الأسس التي يجب أن تترسخ عند رجال التوحيد أنهم يعبدون الله وحده لا شريك له , وأن من دونه من المخلوقين من الأنبياء المرسلين والعلماء العارفين , ما هم إلا مرشدين ومبلغين وموجهين لما يحبُّه ويرضاه رب العالمين , قال الله تعالى :" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)"(النجم) , وعند الترمذي من حديث أبي الدرداء أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :" إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" , وهؤلاء المبلغين المرشدين الموجهين تعلوا مكانتهم وتتفاوت بمقدار البذل والجهد والتضحية والتفاني في مجال الدعوة إلى الله تبارك وتعالى , ولقد حاز الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - على قصب السبق في ذلك , وعليه فلو فرضنا أن مبلغا أو مرشدا أو موجها أو معرفًَا قتل أو أسر , فهل يجوز أن يتوقف عملنا للدين بمقتله أو بأسره ؟!!! , والجواب قطعًا : لا يجوز , حتى ولو كان هذا المبلغ هو الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - , ولقد أشيع في معركة أحد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قتل , ففقد كثير من المسلمين قواهم , وتراجع البعض عن القتال , فكان توجيه الله للمسلمين بعد المعركة أن قال لهم :"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) "(آل عمران) , ولقد فطن أنس بن النضر إلى هذا المعنى قبل نزول هذه الآية , وكان قد رأى بعض المسلمين يتراجع , فسألهم عن السبب , فذكروا له أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قد قتل , فقال لهم : قوموا فموتوا على ما مات عليه محمد , وانغمس في أعداء الله حتى قتل وفيه بضع وتسعون ضربة , ولم يعرفه أحد حاشا أخته عرفته بعلامة في بنانه , وفيه وفي مثله نزل قول الله تعالى :"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) "(الحزاب) , فهل المستسلمون عند وفاة القادة أو أسرهم قوم صدقوا العهد مع الله ؟
التعلق بالأشخاص ... من أهم أسباب الردة والانتكاس
لما توفي الرسول ارتد جل العرب ممن كانوا قد أعلنوا إسلامهم لله رب العالمين , لأنهم ظنوا أن الإسلام هو محمد – صلى الله عليه وسلم - , فإذا ما مات فقد مات الإسلام , ولقد تأثر الصحابة بموت الرسول أيُّما تأثُّر , حتى إن عمر – رضي الله عنه - قام يقول :"إن محمداً ذهب لملاقاة ربه , كما ذهب موسى لملاقاة ربه , ولا أسمع رجلا يقول بأن محمدًا قد مات إلا علوته بالسيف" , فقام أبو بكر – رضي الله عنه - في الناس بعدما أسكت عمر –رضي الله عنه - , وقال للناس :"يا أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات , ومن كان يعبد الله , فإن الله حيٌّ لا يموت , ثم قرأ قوله تعالى :" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) " (آل عمران), فقال عمر:" والله لكأني لم أسمع بهذه الآية , قبل أن قرأها أبو بكر" , وبمثل موقف أبي بكر عمل سهيل بن عمروا في مكة , فَثبّت الله به أهل مكة , وأرجوا الله كما ثبت بكلام أبي بكر وسهيل – رضي الله عنهما – المسلمين , أن يكون في كلامي هذا تذكرة للموحدين والمجاهدين وتثبيتا لهم , قال الله تعالى :" وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) "(الذاريات) .
لا تقلق وتخف فالإسلام دين الله
يقلق كثيرٌ من الشباب ويخافون على المشروع الإسلامي , مشروع التوحيد والجهاد , ولا بأس في ذلك , فهذا دليل على صدق الانتماء , لدين رب الأرض والسماء , قال الله تعالى :" أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) "(فاطر) , وقال أيضا:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) " (التوبة), ولكن مع هذا لا بد أن نعلم أن هذا الدين هو دين الرب العزيز الحكيم , والله لا يُسلم دينه للكافرين , قال الله تعالى :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) "(الحجر) , والذكر هو القرآن والسنة , وحفظهما يكون برعاية وجوده بين الناس بدون تحريف ولا تغيير , وتهيئة وتسخير من يلتزم به من الناس , ويدافع عنه , ويذب عنه بكل ما يستطيع , قال الله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) "(التوبة) , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي عنبة الخولاني أن الرسول النبي – صلى الله عليه وسلم - قال :" لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته " , يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله - : وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد الله الحق بحفظ هذا الذكر؛ فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصوناً محفوظاً لا تتبدل فيه كلمة ، ولا تحرف فيه جملة ، لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر ، أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل ، تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل ، وتصونه من العبث والتحريف .
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق ، وكثر فيه النزاع ، وطمت فيه الفتن ، وتماوجت فيه الأحداث . وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود خاصة ثم من « القوميين » دعاة « القومية » الذين تسمّوا بالشعوبيين!
ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين .
كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية ، وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات . .
ولكنها عجزت جميعاً وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا أن تحدث حدثاً واحداً في نصوص هذا الكتاب المحفوظ؛ وبقيت نصوصه كما أنزلها الله؛ حجة باقية على كل محرف وكل مؤول؛ وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .
ثم جاء على المسلمين زمان ما نزال نعانيه ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم ، وعن حماية عقيدتهم ، وعن حماية نظامهم ، وعن حماية أرضهم ، وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم . وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم! وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم ، وأحلوا مكانه كل منكر فيهم كل منكر من العقائد والتصورات ، ومن القيم والموازين ، ومن الأخلاق والعادات ، ومن الأنظمة والقوانين . . . وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص « الإنسان » وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان . . وأحياناً إلى حياة يشمئز منها الحيوان . . ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من « التقدم » و « التطور » و « العلمانية » و « العلمية » و « الانطلاق » و « التحرر » و « تحطيم الأغلال » و « الثورية » و « التجديد » . . إلى آخر تلك الشعارات والعناوين . . وأصبح « المسلمون » بالأسماء وحدها مسلمين . ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير . وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع ، ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقوداً للنار . . وهو وقود هزيل! . .
ولكن أعداء هذا الدين بعد هذا كله لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها . ولم يكونوا في هذا من الزاهدين . فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ ، وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال!
ولقد بذل أعداء هذا الدين وفي مقدمتهم اليهود رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين الله . وقدروا على أشياء كثيرة . . قدروا على الدس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى تاريخ الأمة المسلمة . وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون . وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين . وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون ، وبخاصة في العصر الحديث :
ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد والظروف الظاهرية كلها مهيأة له . . لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ ، الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه؛ وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع؛ فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب ، وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقاً تنزيل من عزيز حكيم . (ا.هـ) , وأردف قائلا : والله لو فني الشيخ أسامة ومن معه وأبو عمر البغدادي ومن معه ومجاهدو الصومال وغيرهم من المجاهدين أو تراجعوا وانتكسوا لأنشأ الله وسخر من يحمل الراية بدلا منهم , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) "(المائدة) , فَقَدَرُ راية التوحيد أن لا تسقط وألا تخبوا جذوتها , قال أبو محمد المقدسي – سلمه الله - :
يا جـذوة التوحيـد مالك مطـفئ *** مـا دام رب العـرش قـد أذكــاك
يـا رايـة التوحيد ديـنك ظـاهر *** لــن تُـخـذلي فالـله قـد أعلاك
والـله لو حـشدوا جـميع جـيوشهم *** وتـآمروا وتجمعــوا لعراك
واستصرخوا جند الصلـيب لنصـرهم *** مـتـطـلعين لـفصم بعـض عرُاك
مـا أفـلحوا أبـدا وخُيِّب سـعيهم *** فالـله خـاذل كـل مـن عــاداك
حَـلم الـطـغاة بأنـهم في كـيدهم *** بالســجـن والتـعذيب والإهـلاك
قـد ينـجـحون بكـسر راية دعوتي *** أو نسـتـكـين لـهم بغـير حـراك
خسـئوا فـما نحن الـذين يصيـبهم *** مكــر الطـغـاة بأسـهم الإنـهاك
الضربة التي لا تقضي عليك تزيدك قوة
إن سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير في عبادة هي سنة الابتلاء والتمحيص , قال الله تعالى :" الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) "(العنكبوت) , وقال أيضا:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) " (البقرة) , فعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء , أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد قال " دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حرَّهُ بين يدي فوق اللحاف. فقلت يا رسول اللهما أشدها عليك! قال إنَّا كذلك يُضَعَّفُ لناالبلاء ويُضعَّف لنا الأجر ". قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:" الأنبياء "، قلت يا رسول الله ثم من ؟ قال:" ثم الصالحون إنْ كان أحدُهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويهاوإن كان أحدهم ليفرح بالبلاءكما يفرح أحدكمبالرخاء" , والابتلاء يمحوا السيئات ويكفر الخطايا ويرفع الدرجات , أخرج الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيد , أن الرسول قال :" لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة " , وأخرج الترمذي في سننه عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَودُّ أهلُ العافية يومالقيامة حين يُعطى أهلُالبلاءالثوابَ لو أن جلودهمكانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض" , والابتلاء يمايز الصفوف , فتحدث المفاصلة بين الخبيث والطيب , قال الله تعالى :" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) " (آل عمران), والابتلاء علامة من العلامات الدالة على صحة الطريق للسالك إلى الله تعالى , أخرج البخاري من حديث عائشة أن ورقة قال للرسول :"ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عودي" , وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد اله بن مغفل :" أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله يا رسول الله إني أحبك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه " , فلا يستغرب بعد هذا أن يقتل قادة الجهاد أو يؤسرون ولكن ما يستغرب حقا أن يكون الابتلاء الواقع على الدعوة والقادة مسوغا عند الكثيرين لرفع الرايات البيضاء والاستسلام للتحالف الصهيوصليبي , فاعلموا يا معاشر الموحدين أن الضربة التي لا تقضي على الدعوة تزيدها قوة , كالنار مع الطين الأحمر , كلما زادت النار زاد الطين الأحمر صلابة , وأن المنية خير من الدنية , وأنه لا توجد ضربة تقضي على دعوة التوحيد والجهاد , لأنها دعوة تستمد قوتها من الله تعالى , وإن جذوة الجهاد لا تتوقد ولا تستعر إلا بالابتلاء , ولكن ليس أي ابتلاء , ولكنه الابتلاء الذي يصاحبه صبر على قدر الله وقضائه .
ومن نكث فإنما ينكث على نفسه
لقد استخدم التحالف الصهيوصليبي وأذنابه كل الوسائل للقضاء على مشروع التوحيد والجهاد , استخدموا القوة فلم تنفع , فاستخدموا مشائخ البلاط السلطاني فما أفلحوا , واليوم هم يستخدمون مشائخ التوحيد والجهاد في هذه الحرب , ويخرجونهم علينا يعلموننا بتراجعاتهم عما كانوا عليه , وأنهم كانوا على باطل وضلال , وهنا أود أن أنبه أن مشائخ التراجعات قبل تراجعاتهم كانوا يقولون لنا : الحق كذا , ودليله كذا وكذا , وهذه أقوال الإئمة تؤيده وتعضده وتناصره , ولكنهم بعد التراجعات يذكرون أقوالا غير معضدة بالأدلة وبأقوال علماء السلف الأبرار العدول , أضف إلى ذلك أننا لسنا اتباع رجال , بل أتباع منهج ... ألا وهو منهج محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام ومن سار على دربهم إلى يوم الدين ومات على ذلك , وهو منهج واضح وضوح الشمس في رابعة النهار , قال الله تعالى :" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) "(القمر) , وقال أيضا :" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) "(الأنعام) , ووصف الله كتابه في أكثر من موضع بالوضوح الذي لا يخالطه لبس أو غموض فقال :" وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) "(الحجر) , ووصفه بأنه نور فقال :" هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) " (الحديد) , ويؤكد الرسول – صلى الله عليه وسلم - هذا كله في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن العرباض بن سارية يقول :" وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد " , وعليه فنقول لمن تراجع :" إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) " , ونقول لمن سيبدل ما هو عليه من المشائخ والقادة نسأل الله لنا ولهم الثبات : "إن غيرتم غيرناكم وإن بدلتم بدلناكم" , ونقول كذلك :" بأن العصمة البشرية دفنت يوم دفن الرسول" , والأمر كما قال الإمام مالك :"كل يؤخذ من قوله ويرد عليه , إلا صاحب هذا القبر , وأشار إلى قبر الرسول – صلى الله عليه وسلم -" , وعليه أقول :يا معاشر الموحدين اثبتوا فإنكم على الجادة , واعلموا أن هذه التراجعات ما هي إلا ابتلاء واختبار لكم من الله , فهلا كنتم قوما تنجحون في هذا الاختبار ولا ترسبون ؟ اللهم ثبتنا وإخواننا وقادتنا ومشائخنا على التوحيد والجهاد إلى أن نلقاك .
أهل السنة ... أقل الناس فيما مضى وأقلهم فيما بقى
عندما سمعت الإشاعات التي تفيد اعتقال أمير دولة العراق الإسلامية أبو عمر البغدادي – حفظه الله ورعاه - , فتحت منتديات ومواقع أخبار الشبكة العنكبوتية , وإذا بها تذكر الخبر , وكان مما آلمني أن جُلّ رواد هذه المنتديات والمواقع فرحون بنبأ اعتقال أمير الدولة مؤيدون له , وليت الأمر ظل عند هذا الحد , بل أخذوا يلصقون التهم تتلوها التهم بغير دليل ولا برهان ولا كتاب منير , وهنا سألت نفسي : هل محاربة الناس ورفضهم لمنهج الدولة وأميرها الذي نحسب جازمين أنه منهج الرسول وصحبه مسوغا لنا معاشر الموحدين أن نضعف , أو أن نشك بما نحن عليه من منهج ؟ ونحن من تساندنا أدلة الشرع المطهر على أننا على الحق المبين , فالكثرة ما كانت يوما دليلا وعلامة على الحق , والقلة ما كانت يوما دليلا على الباطل وعلامة عليه , قال الله تعالى :" وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) "(الأنعام) , وقال:" وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) "(يوسف) , فأهل الحق وفي جل الوقات كانوا هم القلة ومخالفوهم كانوا هم الكثرة , أخرج مسلم في صحيحه من حديث أي هريرة:" بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ " وفي رواية أخرى:" إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غيبا كما بدأ فطوبى للغرباء . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس"وفي رواية :"قيلَ: ومَن الغرباء يارسول اللـه؟ قال: "ناسٌ صالحون قليل في ناسِ سوءٍ كثير، ومَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم". وفي رواية: "طوبى للغرباء الذين يمسكون بكتاب اللـه حين يُترَك، ويعملون بالسنة حين تُطفأ". , قال الإمام الحسن البصري :" والسُّنَّةُ - والذي لا إله إلاَّ هو- بينَ الغالي والجـافِي، فاصبِروا عليهـا رَحِمَكُمُ اللـه، فـإنَّ أهـلَ السُّـنَّة كانـوا أقَلَّ النَّـاسِ فيـما مضى وهم أقل الناس فيما بَقـيَ ، الذين لم يذهبوا مع أَهْلِ الإترافِ في إترافِهم، ولا معَ أَهْلِ البدَعِ في بدَعِهِمْ، وصبَرُوا على سُنَّتِهِمْ حتى لَقُوا رَبَّهُم، فكونوا كذلك" , والجماعة التي أمر الرسول بالالتزام معها , لم يحددها بقلة أو كثرة , ولكن حددها بأنها على المنهج الذي سار عليه هو وأصحابه ,أخرج الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذوالنعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي ", قال ابن مسعود – رضي الله عنه - :" جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة , والجماعة هي الحق ولو كنت وحدك " , ولقد ساير جل العلماء المأمون في قضية خلق القرآن , وقالوا له ما يريد , حاشا الإمام أحمد جهر بالقول الحق في ذلك , وقال بأن القرآن هو كلام الله , صفة من صفاته , ليس بالمخلوق , فهل كان الإمام أحمد على الباطل لأن الكثرة خالفته ؟!!! , ولقد أحسن من قال :"لقد نصر الله الدين بأبي بكر يوم الردة , ونصره بأحمد يوم الفتنة" , ولا يجوز كذلك أن يكون نفور الناس عن هذا المنهج المبارك مبررا لتركه وعدم الالتزام به ركونا إلى رضاهم , وإلا فقد نفر العرب وتعجبوا من دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم - , قال الله تعالى :" عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)"(ص) , فهل ترك الرسول الدعوة لمجرد نفور الناس عنها , واستغرابهم منها , قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" ومن المعلوم أن مجرد نفور النافرين أو محبة الموافقين لا يدل على صحته قول ولا فساده إلا إذا كان ذلك بهدى من الله بل الاستدلال بذلك هو استدلال باتباع الهوى بغير هدى من الله فإن إتباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذى يحبه ورد القول والفعل الذى يبغضه بلا هدى من الله ".
الاقتداء والتقليد بين الحل والحرمة
قال ابن حزم:" التقليد هو قبول ما قاله قائل دون النبي , بغير برهان , فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليدا , وقام البرهان على بطلانه " , وهنا نود أن ننبه بأنه لا يوجد أحدٌ حجة على الدين والمنهج , بل المنهج حجة على الجميع , وأقول لمن يستغل أخطاء بعض المجاهدين في التشهير بالمنهج , والتنفير منه بأن الخطأ مردود على صاحبه أيا كان وممن كان , أخرج الترمذي في سننه عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال:" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله -:" فأما الصديقون و الشهداء و الصالحون فليسوا بمعصومين و هذا في الذنوب المحققة و أما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون و تارة يخطئون فإذا إجتهدوا فأصابوا فلهم أجران و إذا اجتهدوا و اخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم و خطؤهم مغفور لهم وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين فتارة يغلون فيهم و يقولون إنهم معصومون و تارة يجفون عنهم و يقولون أنهم باغون بالخطأ و أهل العلم و الايمان يعصمون ولا يؤثمون", وقال ابن القيم – رحمه الله - :" وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوما جهولا ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته" , وأن لب الأمر وخلاصته يكمن في مقولة علي – رضي الله عنه - :" لا يعرف الحق بالرجال , ولكن اعرف الحق تعرف أهله " , وللأسف الشديد فإنك ترى كثيرا من الشباب ممن يلتزمون مع قائد أو شيخ أو مربٍ , ينهجون نهجه ويدورون معه في الحق والباطل , قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:" ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا ,إن آمن آمن وإن كفر كفر , فإنه لا أسوة في الشر" , وقال الإمام أحمد :" لا تقلد دينك الرجال , فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا" , ومن جميل ما قالته العرب:" لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا " , وماذا عليك يا أخا التوحيد لو ضل العالم كله , وثبت أنت على الهداية ومنهج الحق والصدق , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) "(المائدة) , ولتعلم أنك معروض أمام ربك , واقف أمامه وحدك, ولن يحاسبك على عمل غيرك , قال الله تعالى :" وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) "(مريم) , واعلم أن الثبات يرفع صاحبه والانتكاس يفقد صاحبه المكانة والمنزلة التي كان يتمتع بها قبل أن ينتكس , قال الله تعالى :" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) "(الأعراف) .
دواء الانتكاس وأسباب الثبات على منهج رب الأرض والسموات
الدعاء وأثره في الثبات على طاعة الله تعالى
إن من أهم الوسائل التي تعين على الثبات على دين الله تعالى , طلب المساعدة والمعونة من الله في الثبات على دينه وطاعته , وهذا يعرفه كل من تأمل نصوص الكتاب والسنة , فنحن نطلب الهداية من الله تعالى في اليوم الواحد أكثر من سبعة عشرة مرة , ونحن نقرأ سورة سورة الفاتحة , ألا يدل ذلك على أهمية الدعاء في الثبات على طاعة الله , وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمروا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا يقول : " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ." وعند أبي داوود من حديث الحسن بن علي قال : علمني جدي أن أقول في دعاء الوتر :" اللهم اهدني فيمن هديت " , وعند البخاري من حديث أبي هريرة فيما يرويه الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن ربه – عز وجل – أنه يقول : " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم " , وعند أحمد في مسنده من حديث معاذ أنه قال : أن رسول الله قال له : "يا معاذ إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
[rainbow]
يتبع بأذن الله
[/rainbow]