عادل بن سعد الخوفي
الحُبّ.. حياة القلب، وسرّ السّعادة، وعنوان النّجاح، ودليل التّواصل بين الأفراد والمجتمعات، وليس من شيء صالح إلاّ ويُبنى على الحبّ؛ فهو أجمل ما جمع بين قلبين.. به تحلو الحياة، وتهمس الشّفاة، وتطرب النّفوس، وتحيا القلوب، بل لستُ أدري كيف يكون الآدميّ آدميًّا بلا حبّ!!الله جلَّ جلاله، المتّصف بصفات الكمال والجمال والعظمة، الغنيّ عن خلقه، يخبر عباده المؤمنين الموحّدين بمحبّته لهم وإن كان غنيًّا عنهم، (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). [المائدة:54]، وإخباره تعالى جاء حافزًا عظيمًا لهم ليكونوا حيث أمرهم سبحانه؛ فيقابلوا محبّته سبحانه بحُبّ، ونعمائه عليهم بشكر.
وهذا نبيّ الرّحمة -صلّى الله عليه وسلّم- جعل الحُبّ والتّصريح به سِمَة علاقته بصحبه الكرام رضوان الله عليهم، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ). [رواه أبو داود "1522". وصحّحه الألباني]. إنّه القلب حين يفتح ذراعيه للحُبّ؛ فقد انتقل صلّى الله عليه وسلّم بالحبّ من كونه مشاعر تبقى حبيسة القلب، إلى إعلانها والتّصريح بها، بل وتأكيدها بيمين حلفها بالله عزّ وجلّ، وكرّرها ليقع مفعولها في قلب محبوبه، فيدرك عظيم قدر هذه المحبّة والمودّة وأثرها.
وفي بيته صلّى الله عليه وسلّم يجعل محبّته لشريكة حياته رزقًا من الله، فيقول عن علاقته بخديجة رضي الله عنها: (إنّي رزقتُ حبّها). [رواه مسلم]. وتمتدّ هذه العاطفة الجيّاشة المتلألئة في سماء العلاقة في البيت المسلم لتصل إلى الحبّ بين الأب وابنته، فعن عائشةَ رضي الله عنها: (ما رأيتُ أحدًا كان أشبَه سمْتًا وهديًا برسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ- من فاطمة، كانت إذا دخلتْ عليهِ قامَ إليها فأخَذ بيدِها وقبَّلَها وأجلسَها في مجلسِه، وكانتْ إذا دخلَ عليها قامت إليه وأخذتْ بيدِه وقبّلَتْه وأجلسَتْه في مجلسِها). [رواه أبوداود وصحّحه الألباني].لنتأمَّلِ الصّورةَ: "ترحيبُه بها، ونسبتُها إليه، وحفاوته بها، وتقبيله لها، وإعلاؤه مكانتها".
إنَّنا أمامَ صورةٍ رائعةٍ من الأريحيّةِ، والاشتياقِ، و التّقديرِ، والبرِّ، والاحتواءِ، والتَّلَطُّفِ، والرّيِّ العاطفيِّ، والتّربيةِ، وكلّها لا تخرج إلاّ من قلب امتلأ حُبًّا.
إنّه الحبّ، أجمل وأنبل العواطف البشريّة، يحتاج أن نعطيه قدره ومكانته، نرعاه ونحفظه من نزغات الشّيطان وخطواته، فلا تمتدّ إليه أيدي العابثين، نُنمِّيه ونعبِّر عنه ليكون علامة على حياتنا، نمارسه ونستمتع به لنرى الجمال والبهاء والإيجابيّة فيمن حولنا، نعرف كيف نتعامل معه؛ فلا نمنحه إلاّ لمن يستحقّه شرعًًا وواقعًا.
إنّ للحبّ قيمة عظيمة تمتدّ لتشمل هذا الكون بأسره: أحياءه وجماداته؛ فهذا صلّى الله عليه وسلّم يقول عن جبل أحد: (هذا جبلٌ يُحبّنا ونُحبّه). [رواه البخاري]، هي نفس المؤمن المطمئنّ حين ترى الجَمال ماثلاً أمامها فيما حولها، تتعامل معه بحبّ لا يمازجه شيء من شؤم المعاصي، أو غِلّ القلوب وحقد النّفوس وأنانيّتها. إنّها الصّفحة البيضاء النّقيّة، باطنها كظاهرها، ترجو للآخرين ما ترجوه لنفسها وأهل بيتها، تسعى لتلتحق بالقوم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ). [سورة الحجر:47].
إنّها دعوة لأن نفتح قلوبنا للحبّ، نفتح أمامه أبواب علاقاتنا، نجعله رائدًا في بيوتنا، ونتَّخذه وسيلة لتربية أولادنا، وسببًا لتوكيد شراكتنا مع أزواجنا، وبريدًا لدعوتنا ونصحنا للآخرين.
منقول ---