تكملة :
كما نجح العلماء العرب المسلمون في تشخيص ووصف علاج مرض البول (المعروف بالسكري الآن) وتصحيح الأفكار القديمة الخاطئة واستخدموا الأسس التغذوية بدلاً من الخرافات في علاجه, كما طالبوا بفهم المتلازم في الأعراض المرضية التغذوية والتطبيقية وترتيبها واستخداماتها. لقد أبدع كل من المجوسي وحنين بن إسحاق في ميدان الغذائيات الواسع والحياة الصحية السوية وأشاروا باستخدام مبدأ الضد بالضد في العلاج الغذائي للأمراض التغذوية.
ويجب ألا نمر بدون تنويه إلى أن العالم صالح ابن سلوم كتب عن مرض التهاب اللثة الذي يسمى الآن مرض الإسقربوط وعالجه بشكل جيد فنقله الغرب واستفادوا منه عندما انتشر بينهم بسبب نقص فيتامين ج.
برع العرب المسلمون بكل حداثة وأصالة في وصف المشروبات الساخنة والباردة من الأغذية والأعشاب المختلفة واستخدامها في الاستطباب والعلاجات التغذوية والصحية والطبية فعرفها الغرب واستخدمها وما زال يستخدمها في كثير من الأدوية والعلاجات وبطرق أقرب إلى الطرق العلمية الدقيقة حديثاً مثل درجة نقاوتها والتقيد بالمقادير الموصوفة منها وتوقيت استخدامها في فترتي المرض والصحة والاستمرار بها وقت استخدامها.
ولا يغيب عن الذهن أن العرب هم الذين استخدموا المكاييل والأوزان الإسلامية في الأغذية والطب والصيدلة والتقيد بالمقادير بشكل دقيق وتوقيت استخدامهافي فترتي المرض والصحة وعدد الجرعات والاستمرارية ونوع الحالة الصحية والمرضية ودرجتها الموجبة للعلاج; وقد اشتهرت في العصور الأموي والعباسي والأندلسي والفاطمي والأيوبي فبنى الغرب عليها أنظمة الموازين المترية والرطل والقدم وخرجت استعمالاتها من دائرة الكنيسة ورعاياها إلى أيدي الشعب آنذاك.
ومن العلماء العرب المسلمين الذين اشتهروا, نذكر نخبة صغيرة من عشرات عديدين كتبوا في مجال الطب فأبدعوا دون لبس أو شك في معالجة المواضيع الصحية والتغذوية والعلاج التغذوي في الصحة والمرض والعلاج الحكمي مثل: ابن النفيس وابن سينا وابن زهر وابن رشد وابن ميمون والبغدادي وابن البيطار والطبري وأبوزكريا وحنين بن إسحق وأبو بكر الرازي وأبو قاسم الزهراوي وغيرهم. لا يتسع المجال هنا إلا لذكر موجز الموجز دون أقل التفاصيل. فمن كتب ابن النفيس "المختار من الأغذية" والموجود في مكتبة برلين/ ألمانيا و "شرح القانون" الموجود في مكتبة لندن و"الشافي في الكحل" الموجود في طهران; إذ بقيت هذه الكتب تستخدم كمراجع تعليمية تدرس في أوروبا حتى القرن الثامن عشر.
ولا يجب أن ننسى من أعمال هؤلاء العلماء البحوث الجدية العلمية في مجالات وظائف الأعضاء وعلاقتها بالتغذية, والعمل الشامل في الغذاء وفي الصناعات الغذائية التي بنى عليها الغرب فى أوروبا جزءاً غير قليل من حضارتهم.
لقد استنار العلماء العرب المسلمون بالقرآن والسنة وبحثوا ثم كتبوا ما لا يعد ولا يحصى من المؤلفات في مجالات التغذية الاجتماعية والنفسية والصحية والأمن الغذائي الأسري والجماعي مثل: وضع وحقوق الأم والطفل وتنظيم العلاقات الأسرية والحفاظ على حياة الطفل ونموه ومسؤولية والديه اتجاهه والمباعدة بين الولادات والحجر الصحي وتربية الطفل سلوكياً وتغذوياً. كما أبدعوا في مجال التغذية وأثرها في بناء الجسم والعقل والتنشئة والسلوك في مجال الرضاعة الطبيعية والرضاعة اليتيمة وغذاء الحامل والمرضع والتغذية السليمة وأثرها على النفس والعقل ونظافة بيئة الأسرة والطفل ونظافة أعضاء الجسم والطعام والمسكن والملبس والطريق والأرض (البيئة الخارجية وكتب الطهارة), كانت هذه المؤلفات منهجاً علمياً أخذ منه الغرب وبنى عليه في هذه المجالات المذكورة.
استخدم الطب الوقائي والعلاج التغذوي في مجالات رعاية الأمراض التغذوية والنفسية والوبائية, ووضعت قواعده في صورة تعاليم وأوامر ونواهٍ لأكثر من عشرة قرون ثم استخدمه الغرب وما زال يستخدمه الطب الحديث من حيث المبدأ, فما زال الصيام يستخدم كأداة من أدوات العلاج التغذوي بعد أن تبنته الكثير من بيوت الاستشفاء والنقاهة في الغرب, واجتناب طعامين متضادين وسلوك تناول الطعام من حيث الكمية المتناولة والشبع والإسراف فيه.
وفي كتاب "الأشربة" لأبي عبداللّه أحمد بن حنبل , بين مضار بعض الأشربة التي نهى عنها الإسلام, تزودت المكتبة الغربية بالكثير من المعلومات الموجودة فيها والتي هي الآن موضع نقاش علمي بين الأمم بشأن نوعها واستعمالاتها.
وفي كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية للشيخ الرئيس ابن سينا سبع مقالات مضمونها تعداد لأنواع الخطأ في الطعام والماء والهواء وفي المشروبات والحركات والحمام والإستفراغ وتم تعديل أنواع الخطأ وتداركه في المواد السبعة فيما يتعلق بتغذية الجسم وهذا ما تدعو إليه النظريات العلمية الحديثة في التغذية تحت ما يسمى بالتوازن في التغذية.
وفي مجال الأعشاب الطبية والغذائية ألف ابن البيطار كتابه الرائع وعنوانه "الجامع للأدوية المفردة" في الأعشاب التي تستخدم في العلاج الحكمي والغذائي وفي الوقاية وقد ترجمه لوسيان لوكلير عام 1826 وبنى عليه وتم استخدامه في جامعات فرنسا.
استفاد الغرب من أحكام الذبائح والزكاة في الإسلام في علاج أو تجنب الأمراض التي كانت تصيبهم في القرون الوسطى من خلال دم الحيوانات المخنوقة أو المقتولة ولحوم الخنازير والوحوش ودمائها.
عالج العلماء العرب المسلمون الأغذية وأقسام الأطعمة العلاجية مثل حنين بن اسحق والرازي وابن زهر والسمرقندي والمجوسي وأسهبوا في الكتابة عنها بدقة, فسبقوا أهل عصرهم في ذلك.
ولم يغفل العلماء العرب المسلمون عن الكتابة في مجال إعداد الطعام وفن الطبخ وإدارة الطعام وتقديمه والحسبة فيه التي تشمل مراقبة الأسعار وجودة الطعام والتفتيش عليه, كما نجحوا في مجالات الصناعات الغذائية مثل صناعة السكر والحلويات والمعجنات والزيوت والتمور, ومن أهم من أبدع في هذه المجالات كل من ابن يحيى المنجم وابن ماسويه والسرخسي والرازي والبغدادي وابن ساعد واسحق بن سليمان. فقد بلغت الكتب التي تخص الغذاء وتحضيره 16 باباً في كل كتاب من كتب الحسبة التي نذكر من أشهرها كتب ابن بسام "المحتسب" و"العقد الفريد" وكتاب السياري الوراق عن الأطعمة الذي استعرضها في أكثر من مائة باب وكتب عن التغذية العلاجية التي تشمل استخدام الأطعمة في الدواء في حوالي 130 كتاباً. ولا مبالغة فيما نقول عندما نذكر أن كتب الأطعمة في العصور: الأموي والعباسي والأندلسي قد بلغت مستوى قريباً من الوقت الحاضر.
اشتهر العرب بشكل خاص في كتبهم عن صناعة التمور التي انفردت بها الأدبيات العربية الإسلامية آنذاك وبقيت المصدر الوحيد للغرب ولعدة قرون.
وكتب كل من الكندي والبغدادي في حفظ الأغذية وتصنيع بعض منتجاتها كالبيض والألبان وكشف بعض أساليب الغش فيها. كما كتب كل من ابن سينا والغساني والإنطاكي في فن صناعة الزيوت واستخداماتها.
ومن علماء الفلاحة العرب المسلمين الذي بحثوا وكتبوا في تطوير الإنتاج الزراعي والغذائي العالم عبد الغني النابلسي وابن خلدون الذي كتب أيضاً بأسهاب في علم الصناعة بشكل عام.
من مراجع البحث :
1) أحمد بن حنبل, كتاب "الأشربة", تحقيق عبداللّه بن حجاج, دار الجيل, بيروت, 1985.
2) ابن سينا, "دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية", دار إحياء العلوم, بيروت, 1985.
3) سعود العاني وهيلان التكريتي, "صناعة الأغذية والألبان", المؤتمر العلمي الثالث للجمعية الأردنية لتاريخ العلوم, عمان, 2001.
4) سلمان قطاية, "الطبيب العربي ابن النفيس", من أعلام الطب العربي, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, 1984.
5) فالتر هنس, "المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري", ترجمة كامل العسلي, الجامعة الأردنية, عمان, 1970.
6) نبيلة داود, "كتب الطبيخ مصدر لدراسة الصناعات الغذائية في العصر العربي الإسلامي", المؤتمر العلمي الثالث للجمعية الأردنية لتاريخ العلوم, عمان, 2001.
7) وزارة الثقافة والإعلام, "مجلة التراث الشعبي", بغداد, أعداد السنوات1999 - 2002.
نقله لكم أخوكم / عبيد المبين
تنبيه :
وأما أن الخواجات يخفون ذلك قصداً ، فقد تكلمت عنه كثيرا في هذا الملتقى ..
وللحق فهناك من الخواجات المنصفين من يذكر هذه الحقائق ، لكنها لا تنشر هناك ، إلا قليلا لأنها لا تطيب خاطر بني الأصفر ..
[/frame]