المدينةُ المنَوّرَةُ ... وَداعٌ وذكرياتٌ
مزجتُ حبـري بدمـعٍ في الدّجى جـارِ
وجئـتُ أنظُم في عَلياكَ أشــعاري
ومقلتـي نـحـو ذاك البـدرِ نـاظـرةٌ
لما تبدّى تـغـنّـت كــلُّ أسفاري
فمن مـحيّـاكَ ضوءُ الشـمـس مُقْتَبَسٌ
وذكرُكُمْ ضوَّع الـدنـيا بـأسـرارِ
وكم تـذكـرتُ أطيـافـاً تُـعـاودني
حيناً , وليـلاً أنـادي : أين سُمَّاري ؟
غابوا وغُـيِّب فـي النـسـيان ذكرُهُمُ
فمــا بقلبـيَ من خــلٍّ ولا جارِ
...مضوا, وأنستنـيَ الأيـامُ طـيـفَهُمُ
لكنّ طيفــك فـي قلبــي وتذكار
أتت حشـودٌ مـن الذكـرى مُخَيّلتِـي
.... لكنْ تلاشت , وهامتْ فيكَ أفكاري
وإن شـوقيَ يــوم الـبـيـن أرّقنـي
فهل ألاقي بـهـذا الـدهـر أقماري ؟
حـزنـي كثكلى , أنينـي لا يُفارقنـي
لكنَّ طعمَ الأسـى يـجـري بـمقدارِ
والسُّهد سـامـرنـي , والهم يُمطـرني
هـذا هـو الحال فـي حِلي وأسـفاري
يهمي هُياميَ غـيثاً كـاد يُغـرقـنـي
وإنـها ـ يا إلـه الـكون ـ أقـداري
تطاولتُ كـلمـاتـي , وانتشى قلمي
وكيف لا ؟ وأنا مدْحـي لـمخـتـارِ
مـحمـدِ الـمصطفـى أرجو شفاعتَهَ
عسى بَمدحيَ تُمحـى بـعـضُ أوزاري
نظـرت للقـبـة الخضــراء منتشياً
وروضـةُ الـمصـطفى حُفَّـتْ بأزهارِ
تزهو بساكنها , تسمو بـجـيـرتـهِ ِ
فإنـها جـنـةٌ تـجـري بـأنـهـارِ
أرضُ البقيعِ سـماءٌ فـي تـلألُـئِهـا
فاعجب لأرضٍ غدت كالكـوكب السّاري
أرضُ البقيع غـدت في الدهرِ أوسمـةً
لـمَنْ تـحـلّـوْا بإيـمـانٍ وإيــثـارِ
هم خيرُ صحب بـخفّـاقي منازلُهم
أنعِـم بِمن هـاجروا, أكـرِم بـأنصـار !
بـمـكـةٍ هام قلبـي فـي صبابتِهِ
وفـي الـمـدينة كـم أرنــو لأنوار !
فارقتها , ودموعُ العـيـن ساجمـةٌ
كأنـهـا سُحُـبٌ سَـحّـتْ بـأمطـارِ
...أظلُّ أحيا مع الماضي وما حمـلت
تلـك الليـالـيَ من طُـهْرٍ وأســـرارِ
واليومَ في شَغَفٍ أدعوك خـالقَـنـا
فـي كـل نـجـوى بلـيلٍ أو بـأسحارِ
بأن أكحلَ فـي أنـوار مسجدهـا
عينـي , وتصـدحَ فـي الآفـاق أطيـاري
وأن يكون الثَّرى فوقـي , وتـربَتُهَـا
تَـحُفُّـني , وجـواري خيـرُ أنـصـارِ
شَفِّعْ نبيَّك ربـي إن دُفنـتُ بـهـا
فـي يوم حشـريْ , فأنـت الواحدُ الباري
للشاعر : مصطفى قاسم عباس
من المجلة العربية العدد: 419 ذو الحجة 1432 هـ ـ نوفمبر 2011 م