نريد أن نعمم هذه الأفكار لتسود العفة
==================================
زواج بسيط جدا
رباب سعفان
بعد ارتباط دام شهورا قليلة فوجئت بها تدعوني إلى حفل زفافها. اعتقدت أنها تمزح في البداية ولكنها أكدت لي ذلك، فانهلت عليها بالأسئلة: متى أعددت لهذا الزواج؟ وكيف استطعتما تدبير كل هذه الأموال اللازمة في هذه الفترة القصيرة؟ وهل استطعت الحصول على حجز في مكان لائق لإقامة حفل الزفاف؟.
فإذا بها تهدم جدار الأسئلة الذي بنيته أمامها في لحظات وتجيب في بساطة شديدة: إننا لم نعد لشيء مما تعتقدين، كل ما فعلناه أننا أعدنا طلاء الشقة، وكما تعلمين فإن ظروف عمل خطيبي الصعبة جعلته يدبر بعض الأثاث الضروري فقط، وهو عبارة عن سرير أعدنا طلاءه، ودولاب بسيط، و"أنتريه" قديم جددناه، ومائدة تكفينا نحن الاثنين، فوجدنا أننا لسنا في حاجة لأي شيء آخر، فلماذا إذن الانتظار؟ وأخذنا الخطوة التي لا بد من أن نأخذها بمجرد أن نتأكد من توافقنا في الطباع.
تحطيم الشكليات
بهرتني هذه الجرأة في مواجهة مجتمع يقدس الشكليات، وانتظرت ليوم الزفاف لأرى بعيني هل هذه السعادة حقيقية أم يشوبها بعض التردد؟ فإذا بي أواجه تحديا جديدا.. فهذه العروس تنازلت بالفعل عن ارتداء فستان الزفاف واكتفت بأن تنهل من كئوس السعادة في أبسط وأرقى صورها، بعيدا عن أي ابتذال أو تبذير. كل ذلك في حفل عائلي لا يقل بساطة وروعة عن فكرة هذا الزواج.
وهنا قررت أن أستكمل حديثي معها بعد أن داهمني سيل جديد من الأسئلة، خاصة أني على علم بأن في مقدورهما تأثيث شقة لا مثيل لها إذا اعتمدا على أسرتيهما. وتساءلت: هل هذان الشابان رأيا أن الأصعب هو الأكثر متعة وهو الأصح؟!
فأجابت (إيمان حسن، مترجمة، 24 سنة): لم أعر أي اهتمام للقيل والقال أو المظهر الاجتماعي في تكوين شقة يتحاكى بها الجميع، ورفض كل منا تماما اعتمادنا على أسرتينا، ولم أقتنع بأن أؤجل زواجي لعدة سنوات -كما يفعل الكثيرون- لمجرد أن أشتري أثاثا وأجهزة أنا شخصيا مقتنعة تماما بأنها لا علاقة لها بالسعادة من قريب أو بعيد، ثم إن الشقة بها ما يغنيني عن الأثاث التقليدي، فبها "سفرة" تكفي ثمانية أفراد ونحن اثنان فقط، وحجرة نوم كاملة، إلى غير ذلك مما قد يكون الكثيرون في غنى عنه ولكنهم يأبون الخروج من شرنقة التقاليد الاجتماعية، ولقد وفقني الله كثيرا عندما لم يعارض أبي أو أمي، بل إنهما كانا في غاية السعادة.
تجديد دون تكليف
بعدها ظللت أفكر: هل يمكن أن يتكرر هذا النموذج بهذا الوعي والثقة؟ وبالفعل فوجئت بكثيرين، وإن اختلفت الظروف، فهذه ناهد السيد (25 عاما) موظفة تقول: التقيت بزوجي عندما كنا نعمل سويا، واكتشفت فيه حسن الخلق والتدين، وتمنيت الارتباط به، وبالفعل تقدم لخطبتي فأعلنت الموافقة برغم ظروفه الصعبة التي يعلمها الجميع، فهو مدرس في بداية حياته، وعلى أساس هذا الاختيار أصبح عليّ مواجهة أسرتي، بل وأهل بلدتي الذين اعتادوا المبالغة في زواج بناتهم، ولكني استشعرت ميل أبي له، فإذا بأكبر عقبة تنهي نفسها، وفى أحايين كثيرة كان يعترض على أشياء ولكنه لا يلبث أن يتراجع أمام تمسكي وقبولي لما يراه تبسيطا صارخا. فارتضيت أن أتزوج بأثاث حماتي المتوفاة بعد تجديده ولم نأت بأي شيء جديد سوى الأنتريه، حتى إن حجرة السفرة كانت مجرد مائدة عادية أرفقتها بدولاب جدتي بعد بعض التطويرات ليتحول إلى "نيش" وتكتمل الحجرة، ولم أتطلع في أي يوم إلى تغيير هذا المستوى طالما أن ظروف زوجي لم تتغير.
وتضيف: إلى الآن لم نأت ببعض الكماليات كالستائر والنجف، ولم أقم بتغيير الأجهزة الكهربائية التي قد يعتبرها البعض بالية، والحمد لله أنا في رضا تام، وعلى يقين بأن السعادة لم ولن تكون في أجهزة أو أثاث جميل، وإلا لما عاش أهلنا يرتشفون من نهر السعادة برغم ضيق أحوالهم؛ فالأساس هو الكفاح الذي يجعل للحياة هدفا ومعنى، وبرغم ما فيه من مشقة فإنه السبيل لما ينشده الإنسان من سعادة.
معضلات محلوله
وهذه قصة كفاح أخرى بطلها من أصدقاء بريد الجمعة في جريدة الأهرام المصرية (وهي صفحة معنية باستقبال مشكلات وتجارب القراء والرد عليها) كتب يقول: تعرفت بزميلة لي وأنا في السنة الأخيرة بالجامعة، وتبادلنا الحب والعهد على أن نتزوج حين تسمح لنا الظروف، وبعد تخرجي ذهبنا لأهل فتاتي وقرأنا الفاتحة وبدأنا مشوار الألف ميل لتوفير إمكانيات الزواج. وكان عش الزوجية هو المعضلة، فحسمتها فتاتي بأن قررنا أن نتزوج ونقيم في غرفتي بمنزل أهلي لمدة عام، ثم ننتقل للإقامة في غرفتها بمنزل أهلها لمدة عام آخر، إلى أن نستطيع توفير الشقة.
ويضيف: تزوجنا وبدأنا حياتنا بغرفة نوم واحدة، ونفذنا هذا النظام التبادلي لمدة 3 سنوات، حتى منّ الله علينا بشقة تعاونية من غرفتين بدت في عيوننا أجمل من كل الشقق والقصور، واستكملنا الأثاث تدريجيا، فاشترينا الأنتريه بالتقسيط، ثم مائدة و4 كراسي، واستقرت بنا الحياة على هذا الحال، وتفننت زوجتي في تدبير حياتنا بما هو متاح. وقد ساهمت معها في تسيير السفينة بأن قمت بكل الإصلاحات المنزلية، والآن ولأول مرة بعد 15 سنة من الزواج وبعد اجتهاد عظيم في العمل عرفت أسرتي الرخاء، بعد طول صبر وانتقلنا إلى شقة جميلة بأثاث جديد واشتريت سيارة صغيرة وبدت الحياة أمامنا جميلة وسعيدة وواعدة بالخير.