بقلم أ / عزيز محمد ابوخلف
تُثار العديد من التساؤلات والشكوك حول قدرات المرأة من حيث طبيعة هذه القدرات ومستواها بالمقارنة مع الرجل .
ومن جملة ما يُقال في هذا الصدد أن المرأة اقل قدرة من الرجل على التفكير والعقل . فما مدى صحة ذلك ، وما اصل هذه الأفكار؟ هل تُراها أتت من فهم طبيعة المرأة والرجل؟ أم تُراها استندت إلى الدين؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه أوهاماً وخرافات شاعت بين الناس دونما دليل أو واقع صحيح تستند إليه؟ وهل حقاً أن المرأة تختلف عن الرجل في أمر التفكير والعقل؟ وكيف يكون ذلك وقد خُلقت حواء من آدم عليهما السلام؟ مثل هذه التساؤلات تدفعنا للبحث عن إجابات لها ومعرفة وجه الحق فيها . ومن اجل تسهيل البحث فإننا نحتاج إلى فهم واقع التفكير وطبيعته وعلاقته بكل من المرأة والرجل . كما نحتاج إلى معرفة موقع المرأة في الإسلام وموقفه منها ، وكذلك استعراض النصوص التي قد تكون موضع تلك التساؤلات .
التفكير عند الرجل والمرأة
التفكير نشاط ذهني يحصل في الدماغ ، ويكون ذلك نتيجة لمعلومات ترد إلى الدماغ عن طريق الحواس ، ثم يجري استكشاف للخبرات المتوفرة لدى الشخص عن طريق القدرات العقلية والخروج بالفكرة . من خلال هذا العرض المبسط لعملية التفكير يتبين لنا أن التفكير يحتاج إلى قدرات الحواس والذكاء والى الخبرة ، كما أن هناك دوافع تدفعه وموانع يمكن أن تحول دون حصوله . وهذا يحصل عند كل من المرأة والرجل ، فليس هناك أي دليل علمي قاطع على اختلاف المرأة عن الرجل في قدرات الحواس والذكاء ، كما لا يظهر أي فرق في تركيب الخلايا العصبية بينهما ، ولا في طرق اكتساب المعرفة . ويظهر هذا جلياً في البرامج التي نضعها في تعليم مهارات التفكير ، حيث تنطبق على الجنسين على حد سواء . (لدي بحث منشور في هذا المجال يمكن الحصول على نسخة إلكترونية بالكتابة إليّ مباشرة على العنوان الإلكتروني ، كما يمكن الاطلاع على مقال عن التفكير في الموقع: www.madinagifted.com) . ومعنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير ، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية . فأين يكمن الاختلاف؟
في رأيي أن الاختلاف هو في الخبرة والدوافع والموانع ، وهذا يكون في الرجال كما يكون في النساء . والمرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي وطبيعة عيشها في المجتمعات المختلفة تكون خبرتها في الغالب اقل من الرجال . وهذا يعتمد على طبيعة المجتمعات بلا شك ، فالمرأة في المجتمع الإسلامي مثلاُ يقل اختلاطها بالرجال وتواجدها في الساحة العامة وفي مجالات معينة ليست فرضاً عليها كالجهاد مثلاً . وكل هذا يقلل من خبرتها ومعايشتها للوقائع ، كما أن انشغالها بتربية الأولاد وعمل المنزل يبعدها عن الحياة العامة . أضف إلى ذلك طبيعتها الجسدية التي تجعلها تنشغل بالحمل والولادة وما تمر به من الحيض والنفاس وغير ذلك مما يؤثر في نفسيتها وفي تعاطيها مع الوقائع .
نظرة الإسلام إلى المرأة
يوجه الإسلام خطابه وتكليفه إلى الإنسان بوصفه إنساناً سواء كان رجلاً أو امرأة ، كما انه لا يفرق بينهما من حيث التكوين العام . ففي كل من المرأة والرجل قدرات عقلية وغرائز وحاجات عضوية ، وان كانت تتفاوت في قوتها وضعفها بين رجل ورجل وبين امرأة وامرأة أو رجل وامرأة . والإسلام في دعوته إلى الإيمان والعبادات والعقوبات والتعليم والأخلاق وغير ذلك لم يفرق بين المرأة والرجل . لكننا نجد أحكاما خاصة بكل من الرجل والمرأة حينما يتعلق الأمر بطبيعة كل منهما أو وضعه في المجتمع ، من مثل الشهادات والميراث واللباس والقوامة وغير ذلك , وهذه أحكام خاصة بكل منهما ، لا يُراعى فيها المساواة أو عدمها ولا المفاضلة أو عدمها .
وعند استعراض نصوص الكتاب والسنة وحياة الصحابة ، فإننا نجد العديد من النصوص والوقائع التي تبين قدرات المرأة العقلية وتبرزها .
• فقد تحدث القرآن الكريم عن ذكاء امرأة العزيز حاكم مصر وتخطيطها المتقن ، عندما جَمعت النسوة ، وتوقعت ما يمكن أن يحصل لهن عندما يرين سيدنا يوسف وينبهرن بجماله .
• وكذلك الحال مع حاكمة سبأ وحنكتها وحسن تدبيرها .
• ومع بنات شعيب عليه السلام عندما أشارت إحداهن عليه أن يستخدم سيدنا موسى ، ثم كان أن تزوج بإحداهن ، ففي هذا تخطيط وبعد نظر ولفت انتباه يدل على توافر القدرات العقلية .
• ولا تخفى مواقف السيدة خديجة رضي الله عنها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة , حيث هدأت من روعه وذكرته بما هو عليه من الصفات الحميدة , وطمأنت نفسه ، ثم أخذته عند ورقة بن نوفل . ثم مواقفها العديدة معه فيما بعد .
• واخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي أم سلمة يوم الحديبية وأشارت عليه بان يحلق رأسه ويخرج للناس ، فكان أن تبعه الناس كلهم بعدما امتنعوا عن الاستجابة لأمره . وهذه القصة موجودة عند البخاري بتمامها في باب الشروط في الجهاد .
• واستشار عمر رضي الله عنه ابنته حفصة واخذ برأيها في مدة غياب الزوج عن زوجته . كما ناقشته امرأته فأنكر عليها أن تناقشه ، وأعلمته أن نساء الرسول يناقشنه باستمرار ، حتى يظل يومه غضبان . وهذا عند البخاري في باب النكاح .
فهذه مجرد أمثلة على واقع مقرر وليست حالات شاذة كما يتوهم بعضهم .
النصوص الشرعية المثيرة للإشكاليات
أما النصوص التي يمكن أن تثير إشكاليات حول هذا الموضوع فقد استعرضها الإمام ابن حزم رحمه الله ، وهو من أئمة الظاهرية ، وقام بالرد على الشبهات القائمة حولها . وسوف اذكر فيما يلي أهم هذه النصوص وردود ابن حزم بتصرف ، مع بيان درجة صحة الأحاديث التي فيها .
• قوله تعالى: (وليس الذكرُ كالأنثى) . ليس فيه مفاضلة فالذكر ليس كالأنثى من حيث الخِلقة كما أن الخضرة ليست كالحمرة وليس هذا من باب الفضل . ومن قال انه من باب الفضل فانه يقول انه افضل من عائشة ومريم وفاطمة .
• قوله تعالى: ( وللرِّجال عَلَيهِن درجة ) . إنما هو في الحقوق الزوجية ، وإذا حملت الآية على ظاهرها فيكون كل فاسق ويهودي وكافر افضل من أم موسى وأم عيسى وأم إسحاق ونساء النبي وبناته لان هؤلاء رجال وهؤلاء نساء .
• قوله تعالى : ( أوَ مَن يُنشَّأُ في الحِليةِ وهو في الخصام غيرُ مُبين ) . إنما ذلك في تقصيرهن في المحاجة في الأغلب ، ولا يحط هذا من قدرهن .
• قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما رأيتُ ناقصاتِ عقل ودين أسلبَ لِلُب الرجل العاقل من إحداكن ). مرد ذلك إلى كون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في أمور الرجال , وأنها لا تصلي ولا تصوم في الحيض . وهذا الحديث صحيح عند البخاري ومسلم .
• قوله صلى الله عليه وسلم : (كَمُلَ من الرجال كثير ولم يَكمُل من النساء إلا مريم بنت عمران وامرأة فرعون) . الكمال إنما هو في الرسالة والنبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة . والحديث صحيح عند البخاري .
• قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يُفلِح قومٌ أسنَدوا أمرَهم إلى امرأة ) . خاص بالولاية والحكم ، ولا يعني هذا نقص في الفضل فان ابن مسعود وبلال وزيد ابن حارثة لم يكن لهم حظ في الخلافة وليس غيرهم افضل منهم ممن تولوها . كما أن من الصحابة من ولي عليهم من الخلفاء من لا يجزم أحد انهم أي هؤلاء الصحابة افضل من هؤلاء الخلفاء من نواحي كثيرة . والحديث صحيح عند البخاري وغيره .
من هنا نخلص إلى أن النصوص تشير إلى وقائع شرعية معينة يجب الالتزام بها , وهذه الوقائع ليست مبنية على أساس فروق في التفكير أو مفاضلة معينة . فالمرأة والرجل لا يختلفان من حيث الفطرة وتكوين الدماغ عن بعضهما ، وبالتالي لا يختلفان من هذه الناحية في التفكير إلا في نطاق الفروق الفردية ، إنما الاختلاف في العوامل الأخرى التي أشرتُ إليها وهي الخبرة والدافع إلى التفكير والأشياء التي يمكن أن تمنع التفكير وتحول دونه . وعليه فان المرأة تفكر مثل الرجل ، وينبغي أن نترك الأوهام والتأويلات الباطلة التي ليس لها أساس . كما على المرأة أن لا تتقاعس عن التفكير والإبداع فيما يخدم الدين والمسلمين وإلا تكبت مواهبها بحجة نقصان عقلها ، فليس على ذلك دليل يمكن الاستناد إليه . وسأستعرض في مقال آخر واقع التفكير ومهارات التفكير عند الرجل والمرأة بشيء من التفصيل ، كما أن هناك مقال له علاقة بالموضوع يتوقع نشره في موقع : www.islamway.net
أ / عزيز محمد ابوخلف
باحث-جامعة الملك سعود
amkhalaf@ksu.edu.sa