حين رأى ( توماس أديسون ) _ مخترع المصباح الكهربائي _
معمله قد احترق تماما، وتحول إلى تراب ورماد وبقايا أوراق ، وفتات متناثر
أطال النظر إلى كومة الرماد التي بين يديه
ثم لم يزد على أن قال : ( لا بأس .. فلنبدأ من جديد ) ..!!
- - -
سألتُ نفسي وأنا أقرأ هذه القصة العجيبة ..
ترى ما الذي كان يهجس في قلب هذا الرجل في ذلك الموقف
مما دعاه أن يتلقى الصدمة برباطة جأش رائعة ،
وصبر وإصرار على المحاولة من جديد ..
أما الله والدار والآخرة ، فلا نحسب أنهما كانا في قائمة اهتماماته ..
لأن من طلب هذين الأمرين بجد وحق ،
ساقه ذلك إلى الدخول في الإسلام ولابد ..
فنحسب من ثم أن الفكرة التي كانت تشغله حتى الذروة ..
وتصبّره على تحمل مشاق السهر ، وتعب التجارب ،
وتهوّن عليه ما يلقى في الطريق ..
نحسب __ والله أعلم __ أنها الرغبة في أن يكتشف جديدا ..
ليسجل إنجازاً لم يسبقه إليه الأوائل ..
ليسطر اسمه في سجل الخالدين _ كما يتوهم _..
ليقول الناس عنه كذا وكذا مما يملأ عينيه ..
لتعطيه الدنيا .. لتعوضه المحافل الدولية عن تعبه ونصبه وسهره .
بالشيء الذي تقر به عينه ..
أو على الأقل رغبة في تحقيق هواية راسخة في نفسه تصبره ليحتمل ..
ونحو هذه المعاني ..
ومن هنا تعب تعبه الشديد ،
على أمل في تعويض كبير أدبي ومادي ..
لهذه الأسباب مجتمعة .. وربما غيرها معها ..
رأينا الرجل يتلقى الصدمة بثبات ، ويقف أمام ذلك المشهد الدرامي في روعة ..
هذا هو معمله الذي يسهر فيه طويلا حتى لا يكاد يأكل إلا لقيمات يقمن صلبه ،
ويتحنث فيه الليالي ذوات العدد
في تجارب متواصلة ، لا يكل ولا يمل منها ..
هاهو يرى هذا المعمل قد أصبح ترابا ورمادا
بكل ما فيه من أوراق وتجارب .!
ولم يزد على أن هز رأسه وقال :
لا بأس .. فلنبدأ من جديد ..!!
أليس في هذه القصة عبرة وأي عبرة ..
ودرس يبلغ مستقر العظم لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد .!؟
ذاك رجل يرجو الدنيا وتعويضها له ،
يتعب تعبه في الحياة ، ويضرس الجمر .
ويذوق مرارة السهر .. وقسوة الأيام ..
حتى ليقال بأنه كان لا ينام إلا ساعات قليلة ..!!
ولا يأكل إلا ما يقيم صلبه .. ويكره شيئين : النوم .. والحلاق .. !!!
( دقائق بين يدي الحلاق يعتبرها ضائعة .. !!
_ ربما نعود لهذه النقطة فنفردها بتعليق مستقل _
فرأيناه يصبر ويصابر ويرابط ،
ويواجه الأحداث بنفس عالية .. وهمة راقية ..
لا يسمح لليأس أن يتسلل إلى قلبه ..
ويرفض مشاعر الإحباط ..
لأنه يأمل أن يحقق فكرة في رأسه ، ليصل إلى أمل يرجوه ..
السؤال المر :
فما بال الذين يرجون الله والدار الآخرة ..
لا يستفيدون من هذا الدرس الكبير ؟
ألا تستحق الجنة أن نتعب لها تعبها ..
ونسعى لها سعيها ، ونبذل لها ما في وسعنا ، وما في طاقتنا ؟؟
ألا يستحق ربنا الرحمان الرحيم أن نعطيه من أوقاتنا ، وأموالنا ،
وجهودنا ، وأن نجعل رضاه نصب أعيننا ،
ونحن على تمام الثقة واليقين أنه سيعوضنا
خيرا مما بذلناه من أجله سبحانه ..
وخيرا مما تركناه في سبيل تحصيل مرضاته ؟؟
ألسنا أولى من ذلك الإنسان أن نقابل شدائد الحياة ،
وأحداثها بوجه باسم ، وأسارير متهللة ،
وقلب واثق مشدود إلى الله ، وروح منشرحة ،
ونحن نقول في منتهى البساطة :
قدر الله وما شاء فعل … لا بأس .. فلنبدأ من جديد !!
حين نختلف من بعضنا .. حين يسيء إلي أخي ، أو أسيء أنا إليه ..
حين أفشل في الاستقامة ، مع أنني أرغب فيها ..
حين أتعثر في إنجاز موضوع ما ،
ولم أستطع إتمامه على الوجه المطلوب ..
حين .. وحين … وحين ..
أيعسر على أحدنا أن يقول في منتهى الثقة :
قدر الله ، وما شاء فعل .. ثم يقول: لن يكون أديسون أفضل مني ..
لا بأس .. فلنبدأ من جديد !!!!