أنت مصيب ولو أخطأت!...
بقلم: الشيخ الدكتور: عبدالعزيز بن عبدالله الأحمد
نعم .. أنت مصيب!
رغم أنه الإنسان حينما يخطئ أحياناً يتلقى هجومين.. هجوم الذات،، وهجوم الذوات!
وقد يقع الإنسان بخطأ، سهواً أو عمداً.. ثم تجده يصدر حكماً سيئاً على نفسه.. وأنه لا خير فيها.. و..الخ..ثم ينحدر أكثر وأكثر في صور من الأخطاء، فإن نجا من الحكم الذاتي على نفسه، فقد يقع بحكم آخر من البيئة من حوله التي تنسى حسناته الأخرى، حتى إذا أكثروا عليه، وسمع منهم.. أصبح يصدق ما قالوه في واقعه فيزداد سلبية في جميع أمره!
إن هذا يبين لنا خطورة الحكم الذاتي والاجتماعي على الإنسان، إذ أن بناء الذات يتم من خلال الإنسان نفسه وممن حوله،كما قال علماء المدرسة "الإنسانية" النفسية روجرز وغيره، وهذا الكلام صحيح عقلاً وورد ما يؤيده ويصدقه في الهدي النبوي الرائع، حينما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأحد الصحابة وقد شرب الخمر، فأقام عليه الحد، ثم تفرقوا، ثم عاود الشرب، فعاود إيقاع الحد عليه، ثم عاود الشرب فعاود إيقاع الحد عليه، لكن حصل هنا في المرة الثالثة موقف باهر وهو أن أحد الصحابة -نظراً لتكرار الخطأ من المخطئ- قال: (أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم، والله إني لأعلم أنه يحب الله ورسوله) رواه البخاري.
إن هذا الموقف السامي.. ليبسط مفهوماً توكيدياً للذات السامية.. وتحليقاً بها.. مع محاولة حفظها عن السقوط في الانهزام، أو النظرة القاتمة، أو جرها إلى دائرة التحطيم أو النفي!
نعم! الخطأ يقدر بقدره حكماً وشرعاً، ولا ينقص منه، ولكن بطريقة تحفظ كرامة الإنسان، مع المحافظة على كرامة المجتمع، إذ أن الخطأ متوقع من الإنسان ومتصور وقوعه في أي مجتمع إنساني..ولذا تم العقاب بقدر الخطأ "فقط" وهنا ينتهي الأمر تماماً، ولكن حين يبرز الحكم من الآخرين على الشخص كقول الصحابي: (ما أكثر ما يؤتى به) مع ونفي كمالاته الأخرى والدعاء عليه بقوله: (أخزاه الله)..فهنا نرى تدخل المربي الأول بالطريقة النبوية الراقية لتقول لا لهذا الحكم: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم!)
إن الواقع في الخطأ كالساقط في البئر، ومن هذه حاله فإن أحوج ما يحتاج إليه حبل يخرجه من هذه الهوة السحيقة.. لا أن يقذف عليه حجارة تقتلع رأسه..!
ولا تقف التربية النبوية عند النهي فقط، بل تقوم بتضميد الجراح بأسلوب ولا أروع منه، ذاكراً ميزة ذاك الرجل المخطئ التي "ربما" نسيها ذاك القائل مقسماً على هذه الميزة: (والله.. إني لأعلم أنه يحب الله ورسوله)!
الله!.. الله ما أعظم تربية الحبيب صلى الله عليه وسلم، شارب يكرر الخطأ ثلاث مرات.. وأثناء أمر تطبيق الحد، يأتي الحكم من النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، بفائدة للمجتمع تذكر مجداً من أمجاد المخطئ.. لأن نفسه بحاجة لأن يداوى جرحها.. ويرتق فتقها.. وإنه ليحب الله ورسوله!
إنني حينما أتذكر هذا التعامل الراقي في مداواة النفوس، وكيفية تطويرها، وتجديد أرواحها، لا أملك إلا دمعات ساخنة تذرفها العين، وخفقات صادقة ينبض بها القلب..مهلكة مكيدة على عظمة هذا الدين.. وجماله وكماله.. وأتباعه، ليقف المرء بجلاء قائلاً: لننشر هذا الأريج في أبناء مجتمعنا.. ولنبث ثقافة الإيجابية في ذواتنا وبيئاتنا.. ولننادي جميع فئات المسلمين –لا سيما المخطئون منهم- ولنقل لهم..
مهما أخطأت ... فأنتَ مصيب!