<span style='colorreen'><div align="center">الآفات التي تصيب الحياة الزوجية</div></span>
الزواج كالشجرة الوارقة الظلال. لا يكفي أن نمدها بالماء لكي تظل مزدهرة فينانة ، ولكن علينا أن نحميها من الآفات الضارة.... ونأخذ بكل وسائل الوقاية حتى تزيد الشجرة نمواً وازدهاراً، ولا تتعرض لعوامل الهلاك ، كما يحدث لأشجار الخريف.
والآفات التي تصيب الحياة الزوجية بعضها كامن طباع الزوجين ، وبعضها يطرأ على حياتها ، ولكل منها علاجه ودواؤه..
فمن أسس الزواج أن يكون تكافؤ بين الزوجين : تكافؤ في المركز الاجتماعي ، تكافؤ في الثقافة ، تكافؤ في المال ، تكافؤ في السن.
فلو توافرت الكفاءة- وقل أن تتوفر – تحاشى الزوجان الآفة التي تصيب حياتها من ناحية الفارق بينهما في المنصب والثقافة والمال والسن.... ولكن الذي يحدث أن أحد الزوجين يستطيع بذكائه ودهائه أن يعوض فارق الكفاءة بنوع من المعاشرة ، فتمضي الحياة الزوجية في طريقها دون عثرات..
بيد أن الآفة الكبرى أن يظل الفارق بين الزوجين كالأفعى لينشر سمومه في الحياة. كأن يكون أستاذ جامعة مثلاً وتزوج خادمته حين أعجبه حسنها.. وهو في قمة العلم ، وهي في حضض الأمية... وهو صاحب فكر وعلم ورأي.. وهي لا تجيد إلا الطهي وتنظيف البيت... ولا يمكن أن يلتقيا أبدأ في مجال الفهم والحوار... ، ولا يبقى إلا الزوجة الأمية الجاهلية التي تبعد عن ثقافة زوجها بعد ما بين السماء والأرض.
هنا تتدخل هذه الآفة لتصيب الحياة الزوجية بالعطب. وإذا حاول الزوج أن يتزوج أخرى مناسبة له في الثقافة والعلم والفكر والمركز ، يحد أمامه عقبات كئاداً ، ويكون مثله كمثل من يطفئ النار بالغاز0
وعندئذ تفهم مغزى الحديث الشريف ( لا يزوج النساء إلا الأولياء ، ولا يزوجن إلا من الأكفاء ) 0
ثم أن عدم التكافؤ في الزواج يصيب الرجل بالإحباط ، ويفقده سلطان القوامة في البيت0 إذا كان فقيراً وزوجته ثرية ، أو إذا تزوج امرأة ذات حسب ، وهو من عامة الناس ، ليتبوأ باسمها مكانة في المجتمع0
كيف يتسنى له يمسك بصولجان القوامة ، وهو يعيش في كنف زوجته ، ويستمد عزته في المجتمع من انتمائه إليها ؟
كيف يخالف رأيها ، وهي صاحبة الطول والفضل عليه ؟ وإذا حاول أن يثأر لرجولته ، هددته بفقدان مكانته ، وإلقائه في زاوية الفقر بعيداً عن الرفاهية التي يرفل في حللها .. كما أن مثل هذه الزوجة تقر في وجدان أولادها أن أباهم ينعم في خيرها ، فينشأون فاقدي الاحترام لأبيهم ، مقدرين أمهم حق قدرها ، باعتبارها صاحبة المال والجاه والسطان في البيت .
وأي آفة أخطر على الحياة الزوجية، من أن يصبح الزوج في بيته لا قيمة له ، أو تصبح الزوجة ، ولا وجود لها في قلب وعقل زوجها!!
أي زواج هذا الذي يفقد الاحترام المتبادل بين الزوجين ؟
والأمثلة على هذا كثيرة . وأبرز مثال وعاه وحفظه التاريخ ما حدث بين زينب بنت جحش ، وزيد بن حارثة .. فقد زوجهما الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن زينب كانت تحس أن زيداً ليس كفؤاً لها ، باعتبارها قرشية ذات حسب رفيع ، وزوجها مولى من موالي الرسول صلى الله عليه وسلم .. وقد انتهى هذا الزواج ، كما تنتهي زيجات كثيرة بسبب عدم الكفاءة بين الزوجين.
ولعل هذا ما حدا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقول :
( لا منعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء )
ومن ضروب عدم التكافؤ في الزواج أن يتزوج شيخ كبير شابة في ريعان العمر... قد يكون ثرياً ، أو ذا منصب مرموق ، ولكنه فقد كثيراً من مقوماته كزوج... فلا تلبث الزوجة ، وهي في فورة الشباب ، أن تحس بأن أهلها وأدوها بهذا الزواج ، وباعوها بثمن بخس ، وتنتهي الحياة الزوجية بأخطر آفة أصابتها في الصميم 0
وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن شابة زوجها أهلها من رجل مسن ، فضاقت ذرعاً به ، ولم تطلق الحياة معه ، فقتله ، فالما رفع أمرها إلى أمير المؤمنين .قال : أيها الناس اتقوا الله . ولينكح الرجل شبهه من النساء ، والمرأة شبهها من الرجال...
فانعدام الكفاءة في السن ، أو في الثقافة ، أو في المركز الاجتماعي ، من أخطر الآفات التي تصيب الحياة الزوجية ، وتؤدي بها إلى العطب ... وإذا كانت هناك زيجات انعدمت فيها الكفاءة ، ولكنها استمرت وبقيت وأثمرت فأنها تعتبر شذوذاً في القاعدة.
ومن الآفات التي تصيب الحياة الزوجية كذلك ، سفر الزوج إلى الخارج العمل ، وغيابه سنوات طوالاً عن زوجته .
وهناك حكاية حدثت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد كان يتفقد أحوال الناس ذات ليلة ، وبينما هو بجوار أحد البيوت ، إذ سمع امرأة تنشد شعراً يفهم منه أنه لولا خوفها من الله ، لانحرفت وارتكبت جريمة الزنا...
وأراد عمر أن يعرف أحوال هذه السيدة ، فاستدعاها وسألها ، فأخبرته بأن زوجها ذهب إلى الجهاد منذ سنتين ، ولم يرجع .. فلم يتعجل في اصدرا قرار بشأن الذين يسافرون مهام رسمية للدولة .0.. وإنما أراد أن يكون القرار مبنياً على أساس سليم.
سأل أبنته حفصة : كم تصبر المرأة على زوجها ؟ فأخذها الحياء ، ولم تحر جواباً.. فكرر عليها السؤال ، وقال لها : لا حياء في الدين... فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها : تصبر المرأة على زوجها أربعة أشهر...
إذن فلا يجوز أن يغيب الرجل عن زوجته أكثر من أربعة أشهر ، وإلا تسلك الآفات إلى حياته الزوجية... أما أن يغيب سنوات متواصلة ، ثم يطلب إلى زوجته أن تكون في شفافية الملائكة ، وأن تلغي غرائزها ، وأن تضع قلبها في قفص حديدي وتغلق عليه ، وأن تلبس منظاراً أسود ، فلا ترى الرجال إلا أشباحاً ، وأن تعرض عن زينة الحياة الدنيا ، وأن تعيش عزبة وهي متزوجة ، وأن تهدر أنوثتها وتخرس صوتها المجلجل في أعماقها ، وأن تترك محاسنها للأيام تنهش فيها... فهذا طلب يتنافى مع الفطرة السليمة ، ومع منطق العقل .
إذا كان حراماً المرأة أن تنظر إلى رجل غير زوجها ، فانه حرام على الرجل أن يجعلها تعيش في وحدة موحشة دون أن تشتمتع به ، ويشتمتع بها!!
حرام عليه أن يذل أنوثتها ويحرج كبرياءها وهي تتطلع إلى رجل محرم عليها..
انه صنع آفة الحياة الزوجية بنفسه ، وشنق سعادته من حيث لا يدري.
وهناك آفة تصيب الحياة الزوجية ، ولا تحدث إلا من زوج أحمق ، أو زوجة خرقاء0
هذه الآفة هي إفشاء الأسرار الزوجية ، وبخاصة ما يتعلق منها بالوقاع أو اللقاء الجنسي0
وقد وصف الله تبارك وتعالى الزوجة الصالحة بأنها حافظة للغيب . أي تصون عرضها وأسرار زوجها ، ولا تجعل حياتهما الخاصة حديث الناس .
يقول الله عز من قائل : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله )ليس هذا فحسب . بل الله سبحانه وتعالى وصف كلاً من الرجل والمرأة بأنه لباس للآخر ، أي يستره ، ويحفظه ، ويحميه ، ويصونه. وأي شيء يتطلب الحماية والصون والحفظ أكثر من الأسرار الزوجية والحياة الخاصة ؟
هل هناك رجل يقبل يطلع إنسان على عورة زوجته ، أو على جسدها ؟
لا يمكن أن يوجد هذا الرجل إلا إذا كان ديوثاٌ ، يرضى الخبث لأهله ، ولا يغار على شرفه.
فكيف يستبيح أحد الزوجين أن يتحدث عن أخص شؤونه مع صاحبه ، ويقوم بدور المتجسس عليه وفضح أسراره.
إنه إن فعل ذلك فإنما يرتكب حماقة ما بعدها من حماقة... وسيكون مثله من يكشف عن عورته وسوأته أمام الناس بلا خجل ولا حياء !!
ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الإفضاء بما يدور بين الرجل وزوجته من أسرار فقال في حديث الشريف : ( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته ، وتقضي أليه ، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه )
لماذا ؟ لأن تصرف دنيء خسيس ، وانتهاك لحرمة الحياة الزوجية 0
وقد كانت هذه الآفة منتشرة في الجاهلية ، وقضى عليها الإسلام، لأنها كانت سبباً في هدم البيوت ، والتفرق مابين الزوجين ... إذ كانت المرأة إذا اختلفت مع جارتها عيرتها بأنها تفعل كذا وكذا مع زوجها.. وكأنها كانت معهما في الغرفة النوم ... وعندما يعلم الرجل بأن أسرارهما مضغة في الأفواه ينفصل عن صاحبته.
وكذلك كان الرجل .. إذا علمت امرأته أنه وصف لقاءهما الجنسي لأصحابه ، تثور حميتها ، وتثأر لكرامتها ، ولا تلبث أن تنفصل عنه.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي على عادات الجاهلية الخسيسة عادة عادة ، ويحل محلها مبادئ الإسلام.. فبينما كان جالساً يوماً يعلم الرجل والنساء ، إذ قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله ،يغلق باباً ، ثم يرخى ستراً ، ثم يقضي حاجته ، ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك . ألا عسى أن تغلق أحداكن بابها ، وترخى سترها ، فإذا قضت حاجتها ، حدثت صواحبها.
فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله . إنهن ليفعلن . وإنهم ليفعلون.
قال : فلا تفعلوا ، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانه على قارعة الطريق ، فقضى حاجته منها. ثم تركها وانصرف.
أي تشبيه أخطر من هذا التشبيه!! إن الرسول صلى الله عليه وسلم بأدب النبوة ، يعلمنا أن الرجل الذي يفشي أسرار اللقاء الجنسي ، أو المرأة التي تبوح به ، إنما تبلغ جريمتهما من البشاعة مثل جريمة من يواقع امرأته في مكان عام...
هل هناك أبشع من هذا الفعل ؟
هذه الآفة لا تصيب إلا حياة الجهال والأغرار... ومن على شاكلتهم من مسلوبي الكرامة والشرف الذين لا يهمهم أن تنهش أعراضهم ، أو يلغ الناس في سيرتهم !!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،