هناء المداح
أحد الأمثال الشعبية المصرية القديمة ذائعة الصيت وقوية التأثير رغم خطورة نتائج وعواقب التمسك والأخذ به كقاعدة أصيلة وراسخة يمكن السير عليها، أو الاعتقاد بأن تطبيق فحواه فيه طوق للنجاة والخلاص من الوقوع في قبضة شبح العنوسة الذي يؤرق ويطارد الكثير من الفتيات والنساء في عالمنا العربي بعد أن كبرن سنًا وانقطع طَرْقُ الخطاب والزوار على أبوابهن، فلم يستطعن اللحاق بقطار الزواج لأسباب عامة أو خاصة، تلك الأسباب التي لو انتبهت كل منهن إلى أنها قَدَرُ الله وقضاؤه المكتوب في المقام الأول ما تمسكن بهذا المثل المؤذي والمدمر أبدًا، لأن فيه جلدًا للذات وقسوة وتعذيبًا لها وعقابًا على ما لم ترتكب!..
فماذا جنيتِ أختي حتى تقهري نفسك وتُقنعيها عنوة بما لا يجب أن تقتنع أو تقبل به، بزعم أن الرجال أصبحوا قلة قليلة في هذا الزمان، وأن نظرات الناس وكلامهم القاسي باعتبارك عانسًا لن تترككِ وشأنك وستظل تلاحقكِ وتطاردكِ إلى أبد الدهر؟!..
ماذا ارتكبتِ كي تظلمي نفسك وتتنازلي عن حقك في اختيار الرجل المناسب الذي تستظلين بظله الظليل وتشعرين معه حقًا بالاستقرار والأمان والراحة بمعاشرته الطيبة لكِ وحفاظه عليك ورعايتك وأبناءك خير رعاية فيما بعد؟، رجل يستوعبك ويحتويك بكل ما تحمله كلمة الاحتواء من معنى، يخاف ويتقي الله فيكِ ويعاملك بالمعروف، لا يسلبك حقوقك، ولا يتخلى عنكِ في بداية أو منتصف الطريق ويترككِ وحيدة تتحملين أعباءً جسامًا لا طاقة لكِ بها، وليس مجرد ذكر ليست له من صفات الرجولة شيء سوى الصفة التشريحية والمظهر الخارجي الخادع الذي يخبئ خلفه ما يجعل حياتك شقاءً وحزنًا وآلامًا متواصلة لا تتوقف إلا بالخلاص منه نهائيًا سواء بموته أو بتطليقكِ، وربما استمرت تلك الآلام لو خرجتِ من سجنه بأبناء تنصل من المسؤولية عنهم ورفض بخِسّة ومكر وقلب ميت الإنفاق عليهم ورعايتهم وتفقد أحوالهم، وصرتِ بموجب الوضع الجديد أمًا وأبًا في الوقت نفسه، تعانين بمفردك الأمرين، ترين من العذاب والهموم ألوانًا، ومن المشكلات والمآسي أشكالا!..
فكم من أسرٍ جنت على بناتها وظلمتهن وورطتهن شر ورطات، حيث زرعت فيهن بالوراثة بعض الأفكار الشيطانية الهدامة دون إعمال للعقل أو تدبر وفهم لأبعاد ونتائج هذه الأفكار، ومنها الفكرة العبثية التي يتضمنها هذا المثل الشعبي الذي لابد وأن يختفي تمامًا من قاموس حياتنا بلا رجعة، لأن ظل الحائط كثيرًا ما يكون أفضل وأكثر حماية وأمنًا من الظل المزيف لعدد لا يستهان به من أشباه الرجال في هذا الزمان!..
هذه الأسر التي تبرر عن جهل بهذا المثل أمنيتها ورغبتها في ستر وعفة بناتها وتزويجهن سريعًا قبل فوات الأوان لأول من يطرق الباب ويطلب القُرب دون السؤال عن دينه وأخلاقه وما إلى ذلك من أمور ينبغي البحث عن حقيقتها حتى تتثبت تلك الأسر من أن هذا الشخص سيسترها ويحافظ عليها بالفعل، أم سيفضحها ويشقيها ويظلمها ويوقعها في مآزق يصعب الخروج منها؟!..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). رواه الترمذي وغيره.
الدين والخلق هما الركيزتان الأساسيتان اللتان تقومان على أساسهما الأسر الصالحة المتينة التي تعجز أي رياح عابرة عن العصف بها أو هدمها، وهما الظل الحقيقي الظليل الذي يقي كل زوجة غدر وتقلبات البشر والأحوال..
أيتها الفتاة.. لا تفرطي وتتهاوني في حققِ في العيش كريمة عزيزة آمنة، دققي جيدًا عند الاختيار ولا تتنازلي عن الدين والخلق والتوافق والتكافؤ لأن أحدًا لن يعاني كما ستعانين في حال أسأتِ الاختيار، كما أن أحدًا لن يمسح دموعك ويطبب جراحك التي سيحتاج اندمالها وشفاؤها جهدًا ووقتًا طويلًا..
خير لكِ أن تظلي عزيزة في بيت أبيكِ تمارسين حياتك كامرأة لابد أن تكون لها رسالة وهدف نبيل تعيش من أجله وعمل صالح تتقربين به إلى الله لتشغلي وتقتلي به فراغك من أن تتعجلي وتخطئي الاختيار فيضيع عمرك هدرًا وهباء وتندمي وقت لا ينفع ويجدي الندم.
منقول---