[frame="9 98"]
الشيخ / د.أحمد بن صالح الطويان
في خضم الأحداث وتسلط الأعداء ، يتطلع الناس إلى النصر ، ولكنهم يقصرون النصر بنظرة قاصرة
ومفهوم ضيق وهو الغلبة والتمكين والسيطرة ، وهذه النظرة وإن كانت هي جزء من النصر الظاهري
إلا أن النصر ليس محصوراً بذلك بل إن انتصار المعنويات خير وأبقى من انتصار الماديات .. وانتصار
القلب خير من انتصار البدن .
ولذا فإن كثيراً من المخذلين والمرجفين والقاعدين يُقوّمُون النصر بالنصر الظاهري ، فتجدهم يخذلون
الأمة ويرجفون بالمؤمنين لما في قلوبهم من الهزيمة الساحقة التي ولدت منهم أبواقاً لأعداء الإسلام.
أيها الأخوة:
إن جوانب النصر وصوره متعددة فالنصر قوة العزيمة وقوة القلوب والنصر مع الصبر والنصر مع
الثبات ، والنصر مع اليقين والنصر في العزة والنصر مع الكرامة والنصر في نبذ الهوان والنصر في
عدم الضعف والاستسلام والنصر عدم الاستكانة للعدو.
قال الله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما
استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر بنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت
أقدامنا وانصرنا مع القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ).
فالنصر عدم الوهن والوهن يكون في القلب وفي العقيدة وفي الإيمان.
فأهل الإيمان لا يهنوا ولا يحزنوا لما أصابهم فما أصابهم من القتل فهو شهادة ونصر وما أصابهم من
الجراح فهو نصر وأجر وما أصابهم من التشريد فهو نصر وغنيمة.
لأن ذلك كله لم يصل إلى قلوبهم فيفت من عزائمهم كل ذلك لم يوهن قلوبهم فيضعفوا ويحسوا بالضعف
أمام أعدائهم فيهربوا عن المواجهة ويجبنوا عن اللقاء فيستكينوا للأعداء ويستسلموا له ويذلوا لهم
ويخضعوا لهم.
فما أصابهم القتل والجراح لم يلينوا ولا يضعفوا ولم يهنئوا ولم تنحل عزائمهم ويقصر يقينهم.
لقد نفى الله تلك الصفات عن المؤمنين المنتصرين بقلوبهم ولو أزهقت أرواحهم وجرحت أبدانهم
وأجسادهم فإن قلوبهم منتصرة قوة..فهنا وصفهم وهناك نهاهم فقال تعالى ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم
الأعلون إن كنتم مؤمنين ).
فالنصر بعدم الوهن والحزن ..وفي المقابل تأتي دعوات المؤمنين الصادقين ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا
وإسرافنا في أمرنا ) لأن الذنوب سبب الهزيمة فالمؤمنون لا يخافون عدوهم أكثر مما يخافون من
المعاصي والزلات فالذنوب تخيفهم لأنها تحجب عنهم استجابة الله ومدده ونصره فقدموا الاستغفار على
تثبت الأقدام والنصر لقوة ما في قلوبهم من زكاة وطهارة.
ودعائهم بالثبات استلهام بالدعاء فهو الذي يربط القلوب ويلهم الصبر فهم لم يضعفوا بل سألوا الثبات
وانصرنا على القوم الكافرين.
فلم يستكينوا ويستسلموا بحثا عن الحياة والراحة وإنما سألوا الله النصر..فتلك القلوب المنتصرة سألت
الله النصر والتمكين فما تمتلئ به قلوبهم من النصر سألوا الله أن يجعل ذلك على الأرض.
أيها الأخوة:
إن الأمة اليوم وهي تعيش في عصر الذلة والضعف والهوان والوهن بحاجة إلى انتصار النفوس
والقلوب ونبذ الاستكانة والركون والاستسلام..نبذ الضعف الذي أصاب القلوب فأورثها الذلة والصغار.
وإن تلك الأحداث الدامية التي تعيشها الأمة هي بداية النصر وإن الثبات التي يعيشه أخواننا المسلمين
في بقاع شتى إنما هو انتصار على النفوس التي طالما استسلمت وخضعت.
فالنصر في القلوب هي بداية النصر الذي على الأرض فلا نستهين بدفاع أهل الحق عن حقهم وجهادهم
لعدوهم فقد يقتل المسلم ولكنه منتصر كما قال حرام بن ملحان رضي الله عنه لما رأى الدم يخرج من
جسده ( فزت ورب الكعبة ) فهو منتصر ولو كان تحت الأرض.
انتصر بثباته وإيمانه وعدم خضوعه واستكانته قد يجرح وقد يشرد ولكن المسلم يبقى قوياً شامخاً لا
يقبل الخضوع والاستسلام فكم من أسير منتصر وكم من قتيل منتصر.
أيها الأخوة:
إن الانتصار على النفس الأمارة بالسوء وعلى الهوى وعلى الشيطان نصر للإنسان أن يعيش حراً من
تلك الأعداء فلا تدفعه نفسه ولا هواه لما يريد بل هو متبع لما يؤمر به.
وإن الذين يتطلعون إلى النصر عليهم أن ينتصروا على أنفسهم ويتهموها بالتقصير ( والذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )..ومن هنا نعلم أن الإحساس في القلب والاهتمام وحياة القلب
ينزل الله صاحبه منازل المجاهدين الصادقين والشهداء.
فعن جابر رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال ( إن بالمدينة رجالاً ما
سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض ) وفي رواية إلا شركوكم في الأجر.
وعن أنس قال رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم ( فقال إن أقواما خلفنا في المدينة
ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر ) .
وفي رواية ( لقد تركتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم
معكم ) .
وعن معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سأل الله الشهادة مخلصاً أعطاه الله أجر شهيد
وإن مات على فراشه ) رواه الترمذي صحيح.
وعن سهل بن حنيف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل
الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم.
فقد يحبس المسلم عذر أو أمر فيكتب له ما يكتب لغيره..فانظروا إلى النية والصدق في العزيمة كيف
وصلت بأصحابها إلى منازل المجاهدين والشهداء ولم يحملوا سلاحا ولم يقابلوا عدواً.
أيها الأخوة:
إن شعور الإحباط والذلة والهزيمة الداخلية التي تمتلئ بها قلوب كثير من المسلمين حتى قنطوا وأيسوا
ورهبوا عدوهم وامتلأت قلوبهم من هيبته وتعاظمت في نفوسهم قوته المادية..هو الذي ابتلينا به اليوم
فهزمنا في نفوسنا قبل أن يهزم المسلمون على أرضهم.
وما تسلط العدو علينا إلا لما هزم المسلمون في نفوسهم ولقد استطاع العدو بإعلامه ووسائله
الإعلامية بإيجاد هذه الهزيمة في نفوس المسلمين ، وتهيئتهم للاستسلام والاستكانة حتى صار الحال
كما نرى ونشاهد.
واستطاع العدو لافتعال معارك وهمية وانتصارات كاذبة لتفت في عضد المسلمين وتوهن من
عزائمهم..مع التكتم على كل الخسائر والهزائم حتى صارت جيوشهم لا تهزم وقوتهم لا تغلب مع خور
وضعف عند كثير من المسلمين وفرقة واختلاف ونزاع جعل العدو يستأسد ويتقوى على المسلمين.
[/frame]