السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتى فى الله..كيف حالكم مع الله؟ ثم كيف حالكم مع أنفسكم؟
أدعوا الله أن تكونوا فى خير.
قال ابن الجوزى رحمه الله ما ملخصه:
رأيت من البلاء العجاب أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة ولا يرى أثراً للإجابة، فينبغى له أن يعلم أن هذا من البلاء الذى يحتاج الى صبر.
وما يعرض للنفس من الوسواس فى تأخير الجواب مرض يحتاج الى طب.
ولقد عرض لى من هذا الجنس فإنه نزلت بى نازلة فدعوت وبالغت فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول فى حلبات كيده.
فتارة يقول: الكرم واسع والبخل معدوم فما فائدة تأخير الدعاء؟
فقلت له: إخسأ يا لعين فما أحتاج الى تقاضى ولا أرضاك وكيلاً.
ثم عدت الى نفسى فقلت: إياك ومساكنة وسوسته فإنه لو لم يكن فى تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر فى محاربة العدو لكفى فى الحكمة.
(أى ان ابن الجوزى يقول لنفسه بلاش تفكرى فى كلام الملعون ده ووسوسته حتى وان لم يستجيب الله دعاءنا ، ده لو كانت الحكمة الوحيدة من عدم استجابته لدعاءنا ان الشيطان يوسوس لنا واحنا نحاربه ونطرده بعيد عننا كان بقى كفاية).
قالت: فدلنى عن تأخير الإجابة فى مثل هذه النازلة.
فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء فلا وجه للإعتراض عليه.
والثانى: قد ثبت حكمته بالأدلة القطعية، فربما رأيت الشئ مصلحة والحق أن الحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذى فى الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.
والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة والاستعجال مضرة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد فى خير ما لم يستعجل يقول: قد دعوت ربى فلم يستجب لى" رواه البخارى ومسلم والترمذى وأبو داود.
والرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون فى مأكولك شبهه أو قلبك وقت الدعاء فى غفلة، أو تزاد عقوبتك فى منع حاجتك لذنب ما صدقت فى التوبة منه.
والخامس: أنه ينبغى أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب، فربما كان فى حصوله زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير فكان المنع أصلح.
والسادس: أنه ربما كان فقد ما تفتقدينه سبباً للوقوف على الباب وللجأ، وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسئول.
وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ، فالحق عز وجل علم من الخلق إشتغالهم بالبر عنه، فلذعهم فى خلال النعم بعوارض تدفعهم الى بابه، يستغيثون به، فهذا من النعم فى طى البلاء، وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك.
وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل واعتذار من زلل أو الوقوف على باب رب الأرباب.
الخلاصة:
يقول الشيخ رحمه الله أن أسباب تأخر الدعاء يمكن أن تكون من بين ستة أسباب وهى:
الأول: ان ربنا مالك كل شئ وله الحق فى المنع والعطاء لأن هذا ملكه فلا وجه للاعتراض.
الثانى: ربنا له حكمته فى كل شئ ومش بيدينا غير اللى فى مصلحتنا لأن لا يعلم الخير والشر إلا هو ويعلم أين المصلحة من ضدها.
الثالث: أن يكون المصلحة الحقيقية فى تأخر ما يطلبه العبد وهذا لا يعلمه الا الله أو أن يكون فى التعجل بالإجابة مضرة للعبد وذلك أيضاً لا يعلمه الا الله.
الرابع: أن يكون الداعى به أفه او ذنب كأن يكون فى مأكله حرام أو يكون فى حالة غفلة عند الدعاء أو يكون عدم استجابة الدعاء لذنب قد عمله من قبل ولم يصدق التوبة.
(وكم من ذنب فعلناه ولم نتب منه أصلاً وكم من ذنب فعلناه ولم نعلم أنه ذنب، فالله تعالى أعلم بنا وأرحم بنا، فيمكن أن يكون التأخر لينقينا ويمحصنا من ذنوبنا قبل أن نلقاه، وإن كان التأخر لتمحيصنا من الذنوب فكفى بهذا السبب وهذه الحكمة العظيمة، اللهم تب علينا وارحمنا واغفر لنا يا أرحم الراحمين)
الخامس: أن يكون هذا الطلب اذا اجابه الله يقع به إثم أو ذنب فبحكمة الله ورحمته يرفعه ولا يعطيكه.
والسادس: أن يكون سبب تأخر الدعاء هو حب الله لسماع صوتك ووقوفك على بابه فيأخره حتى تقف على بابه أكثر ولا تغفل عنه.
وهنا رأيت أنه يوجد جواب سابع بعد أجوبة الشيخ رحمه الله: وهو أن الله عز وجل يقبل الدعاء فى أحسن صورة وأنفعها للعبد، فقد يدخر به أجراً فى الآخرة أو يرفع عنه من البلاء مثلها أو يعطيه نعمة أخرى هى أنفع له، فلا يشترط لمعرفة قبول الدعاء تحققه فى الصورة التى يرجوها العبد، والله أعلم.
انتهى الدرس اليوم.
انتظرونى ودرس جديد غداً إن شاء الله.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته