<div align="center">
رثاء بغداد
لتقي الدين بن أبي اليسر
لسـائل الدمـع عـن بغـداد إخــبار
فـما وقـوفـك والأحـباب قد ساروا
يا زائــريـــن إلى الزوراء لا تفدوا
فــما بــذاك الحـــمى والدار ديّار
تاجُ الخلافة والربــع الذي شرفت
به الـمــعالم قــد عـــفّاه إقـــفـار
أضحى لعصف البِلى في ربعه أثـر
وللــدمــــوع على الآثــار آثــــار
يا نار قلبي من نار لحـــرب وغى
شبت عليه ووافى الربـع إعصـــار
علا الصـلـيـب على أعلى منابرها
وقام بالأمـــــر من يـحـمـيه زنّار
وكم حــريم سبـتـه التـرك غاصبة
وكان من دون ذاك السـتـر أســتـار
وكم بدور على البدريـــة انخسفت
ولم يــعــد لــبــدور الحــي إبـدار
وكم ذخـــــائر أضحت وهي شائعة
من النـــهاب وقـــد حـــازته كفار
وكم حـــــــدود أقيمت من سيوفهم
على الــرقـــاب وحــطّت فيه أوزار
ناديت والسبي مــهــتــوك تجرهم
إلـى السـفاح من الأعـــــداء ذعّــار
وهم يساقــــون للموت الذي شهدوا
النار يا رب مــن هـــذا ولا الـــعار
والله يــعــلم أن القــــوم أغـفـلـهـم
مــا كـان مـــن نــعـم فـيـهن إكثار
فـأهـمـلــوا جـانب الجبّار إذ غفلوا
فجاءهم من جــنـــود الكـفـر جبّار
يا للــرجــــال بأحــــداث يحدّثنا
بما غــــدا فـيـهـم إعـــذار وإنـذار
من بعد أسر بني العــبــاس كلــهم
فلا أنـــار لـــوجــــه الصبح إسفار
ما راق لي قط شيء بــعـــد بـيـنهم
إلا أحــــاديـــث أرويــها وآثــــار
لم يبق للدين والدنيا وقد ذهــبـــوا
شـــوق لمجد وقد بانوا وقد بـــاروا
إن القـــيـامـة فـي بغداد قد وجدت
وحـــدّهـا حـيــن للإقـــبـال إدبار
آل النبي وأهــل العـلـم قــد أسروا
فـمـن تــرى بعــدهم يحويه أمصار
إليك يا ربـنـا الشـكـوى فأنت ترى
ما حل بالدين والبـــاغون فـجّـــار
ما كنت آمل أن أبقى وقد ذهــبـــوا
لكن أتـت دون مـا أخــتار أقــــدار</div>