بسم الله الرحمن الرحيم
يحرم على كل مكلف ( إفشاء ) أي نشر وإذاعة سر، وهو ما يكتم كالسيرة و جمعهأسرار و سرائر .
وقال في القاموس : فشي حبره فشوا و فشوا و فشيا انتشر و أفشاه نشره.
ولعله يحرم حيث أمر بكتمه أو دلته قرينة على كتمانه أو ماكان يكتم عادة .
أخرج أبو داود عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: المجالس بالأمانة إلا ثلاثة م
جالس : سفك دم حرام ، أو فرج حرام ، أو اقتطاع مالبغير حق .
و أخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء : من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكرعنه فهو أمانة و أن لم يستكتمه .
و أخرج عن أنس رضي الله عنه : ما خطب نبي الله صلى الله عليه و سلم إلا قال: ( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولادين لمن لا عهد له )
قال في الفروع : حرم فيأسباب الهدايه إفشاء السر . وفي الرعاية إفشاء السر المضر . انتهى
وفي التنزيل ( و أوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤولا ) الإسراء: 34.
ولما عرض عمر رضي الله عنه بنته حفصه لأبي بكر رضي الله عنه فلم يجبه بشئقال له بعد أن دخل بها رسول الله صلى الله عليه و سلم
لعلك وجدت علي حين
عرضت عليحفصه فلم أرجع إليك شيئا، فقال نعم، فقال إنه لم يمنع أن أرجع إليك فيما عرضت عليإلا أني كنت علمت
أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول اللهصلى الله عليه و سلم .
و قال أنس رضي الله عنه : أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا ألعب معالغلمان فسلم علينا فبعثني في حاجة
فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت ما حبسك؟ قلتبعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم في حاجة، قالت ما حاجته؟
قلت إنها سر قالت لاتخبر بسر رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا . قال أنس: و الله لو حدثت به أحدالحدثتك به يا ثابت .
وذكر ابن عبد البر الخبر المروى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أسرإلى أخيه سرا لم يحل له أن يفشيه عليه .
وقال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لابنه عبدالله : يابني إني أرىأمير المؤمنين يدنيك،
يعني عمر رضي الله عنهم، فاحفظ عني ثلاثا : لا تفشين له سرا،ولا تغتابن أحدا، ولا يطلعن منك على كذبة .
وقال الحكماء : ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها : شرب السم للتجربة، وإفشاء السر إلى القرابة و الحاسد و أن كان ثقة، وركوب
البحر وأم كان فيه غنى .
ويروى : أصبر الناس من لا يفشى سره إلى صديقه مخافة التقلب يوما ما .
وقال بعض الحكماء : القلوب أوعية الأسرار، و الشفاه أقفالها، والألسنمفاتيحها، فليحفظ كل منكم مفاتيح سره.
و قال أكثم بن صفي : أن سرك من دمك، فانظر أين تريقه . وكان يقال : أكثر مايتم تدبير الكتمان .
وقال الشاعر :
وسرك ماكان عندي امرئ وسر الثلاثة غير الخفي
وقال آخر :
فلا تخبر بسرك كل سر إذا ماجاوز الاثنين فاشي
وقالت طائفة : إنما السر ما أسررته في نفسك لم تبده إلى أحد . قال عمرو بنالعاص رضي الله عنه :
ما استودعت رجلا سرا فأفشاه فلمته لأني كنت به أضيق صدرا حيث استودعته إياه . ذا ذهب القائل :
إذا المرء أفشى سره بلسانه ولامعليه غيره فهو أحمق
وقال آخر :
إذا ما ضاق صدرك عن الحديث فأفشته الرجال فمن تلوم ؟
إذا عاتبت من أفشى حديثي وسريعنده فأنا الظلوم
فإني حين أسأم حمل سري وقدضمنته صدري مشوم
ولست محدثا سري خليلا ولا عرسىإذا خطرت هموم
وأطوي السر دون الناس إني لمااستودعت من سر كتوم
وقد ذكر من أضجره كتم الأسرار و أنها تغلي في قلبه غليان النار، ما ذاع وشاع في النشر و الأشعار، فمنه:
ولا أكتم الأسرار لكن أبثها ولا أدع الأسرار تقتلني عما
وأن سخيف الرأي من بات ليله حزينا بكتمان كأن به حمى
وفي بثك الأسرار للقلب راحة وتكشف بالإفشاء عن قلبك الهما
وقال آخر :
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وأن ضعيف القلب من باب ليله تقلبه الأسرار جنبا على جنب
وقد قيل : لا تطلعوا النساء على سركم يصلح لكم أمركم .
و الحاصل أن على العاقل كتمان السر، و الله ولي الأمر .
وقال آخر :
لا تودعن ولا الجماد سريرة فمنالجوامد ما يشير و ينطق
وإذا المحك أذاع سر أخ له وهوالجماد فمن به يستوثق
يكره لكل من الزوجين التحدث بما صار بينهما ولو لضرتها، جزم به في الإقناع،و حرمه الإيمام الكبير
ولي الله الشيخ عبد القادر رضي الله عنه، لأنه من السر،وإفشاء السر حرام، وذكره في الإقناع، وكذا حرمه الآدمي البغدادي .
قال في الفروعوهو أظهر. أنتهى.
وقد أخرج الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند رسولالله صلى الله عليه و سلم و
الرجال و النساء قعود عنده فقال : لعل رجلا يقول مافعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها،
فأمر القوم أي بفتح الراء و تشديدالميم أي سكتوا من خوف ونحوه، فقلت أي و الله يا رسول الله إنهم ليفعلون و إنهنليفعلن .
قال لا تفعلوا فإنما مثل ذلك شيطان لقي شيطانة فغشيها و الناس ينظرون.
و أخرج مسلم و أبو داود و غيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامةالرجل يفضي إلى امرأته و تفضى إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه .
وفي رواية : إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضى إلىأمرأته و تفضى إليه ثم ينشر أحدهما سرها .
وروى البزار عنه مرفوعا : ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق بابا ثم يرخيسترا ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك .
ألا عسى أحداكن أن تغلق بابها وترخي سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها .
فقالت امرأة سفعاء الخدين و الله يارسول الله إنهن ليفعلن و أنهم ليفعلون .
قال فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك كمثل شيطانلقي شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف و تركها .
وعن أبي سعيد الخدري أيضا عنرسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( السباع حرام ) قال ابن لهيعة :
يعني بهالذي يفتخر بالجماع، رواه الإمام أحمد و أبو يعلى و البهيقي كلهم من طريق دراج عنأبي الهيثم، وفد صححها غير واحد،
و قال الحافظ المنذري : السباع بكسر السينالمهملة بعدها باء موحدة هو المشهور، و قيل بالشين المعجمة و الله اعلم .