السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مواقع التواصل الاجتماعي كثيرة ومتعددة منها : أيدنتكا، ، جايكو ، باونس ، وت وت، لكن الأوفر حظاً في البلاد العربية والأجنبية هو موقع ( تويتر ) . وقد تواتر البعض على استعماله والبعض الآخر تواتر على اهماله . لكن حماسة الجماهير جعلته فرضاً من فروض الوقت لا يجوز تفويته .
وقد وقفتُ - قبل مُدة في الشبكة العالمية - على دعواتٍ من طلبة العلم لمقاطعة تويتر ! ، والميزان الشرعي لا يتفق مع هذه الدعوة لسببين : الأول : أن تويتر وسيلة عالمية للتواصل لا يجوز نبذها الا بدليل راجح ، ولا يظهر مُرجِّح بحكم أغلبي . الثاني : أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، وفي تويتر حسنات لكنها في بحر سيئاته . وهذا الحكم يُعرف بتطبيق المنهج البرهاني والمنهج الاستنباطي .
قد ينزعج بعض أهل التوترة من الحكم عليهم أن مسكنهم يعجُّ بالمتردية والنطيحة وما أكل السبع . ويبدو أن تويتر لم يبلغ القلتين في الجانب العلمي والتربوي والتهذيبي . وإذا بلغ القلتين فلن يحمل الخبث ! . في تويتر بيض الوجوه ، لكن السواد أحيانا يغلب بياضها !.
وفي زوايا تويتر فوائد ، وكم خبايا في الزوايا ، وبعضها اُتخمت بالتشبُّع . لكن لعل مقولة أبي الزناد ( ت : 174هـ ) رحمه الله تعالى تنير الدرب : " أدركتُ بالمدينة مائة كلهم مأمون ، ما يُؤخذ عنهم الحديث ، يقال : ليس من أهله " .
أضحت التوترة بل الثرثرة فنَّاً تُقطع به أنفاس العمر وتضيع بسببه الفرص ، والمصيبة أن بعضهم من أهل الخير والفضل ، لكن لو شهد عند أهل العلم على تمرتين ما قُبلت شهادته !
في تويتر أقوامٌ كالذُّباب الذي لا يقع إلا على الجريح ولا يقع على الصحيح ، يتصيدون العثرات ويكتمون الخيرات ، ومنهم من يشبه الخنازير التي لو أُلقي لها الطعام الطيِّب عافته ، فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه ! . روى وهب بن منبه : " أوحى الله تعالى إلى ابراهيم عليه السلام : أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال : لا ، قال : لأني اطلعت على قلبك فوجدتُك تُحب أن تُرزأ ولا تَرزأ " . أخرجه ابن عساكر باسناد حسن .
المنهج الغالب على التوترة هو التفنُّن في سرقة المهمات والواجبات ، والاعراض عن التدبُّر واعمال الفكر في عويص المسائل . والضابط الشرعي : ليس كُّل جديد يُستبشرُ به ، وقد قيل في الأمثال قديما : كل مُجرٍ في الخلاء يُسِر ! .
لم نسمع في تويتر عن فتوحات علمية ، أو فتق لأبكار مسائل مهمة ، أو براءآت اختراع نُسجت خيوطها في التوترة ! . إنَّ همم ومعادن الرجال لا تظهر في تويتر ، إنما يُظهرها ما جاء في الأثر كما في بعض المراسيل أن الله تعالى يقول :" إني لا أنظر الى كلام الحكيم ، وإنما أنظر الى همته " أخرجه الدارمي باسناد حسن . وقد وضَّحها الامام ابن تيمية (ت: 728ه ) رحمه الله تعالى بقوله : " العامة تقول قيمة كل امرىء ما يُحسن ، والخاصة تقول قيمة كل امرىء ما يطلب " .
والسلامة في تويتر تكاد تكون غير مضمونة ، فالداخل مفقود ، والخارج مولود !. وقد تواضع بعض النابهين على تسميته بمقبرة المعلومات .
قال بعض السلف :" كُنَّا في مجلس الحسن البصري (ت: 110هـ ) رحمه الله تعالى ، إذ قام إليه رجل فقال : يا أبا سعيد إنَّ ها هنا قوماً يحضرون مجلسك ليتتبعوا سقط كلامك ، فقال الحسن : يا هذا إني أطمعتُ نفسي في جوار الله فطمعت ،وأطمعت نفسي في الحور العين فطمعت ،وأطمعت نفسي في السلامة من الناس فلم تطمع ، إني لما رأيتُ الناس لا يرضون عن خالقهم ،علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم " .
من معايير الاستقطاب الخاطئة في تويتر ضرورة الاتجاه الى متابعة المشهورين وحفظ تغريداتهم وتوقيعاتهم ، فتجد من يقتطع من عمره ساعات طِوال ليتابع فلان وعلان من أجل كذا وكذا ! .
ومن المعايير الزائفة اللهث بالبحث عن شواذِّ الفتاوى والمسائل والغرائب والنُّكت التي تمجُّها الفِطر السليمة .
ومن المعايير الخاطئة أيضا الحرص على تتبع أخبار الساقطين من المنافقين والعلمانيين والليبراليين ومن تشبَّه بهم من أبناء جلدتنا .
ومن المعايير الزائفة التغريد في تويتر من أجل التشبُّع والاستكثار من المتابعين . وقد ثبت عن عليِّ(ت: 40هـ) رضي الله عنه أنه قال : " سيكونُ أقوامٌ يجلسون بالعلم حِلقا يُباهي بعضهم بعضا ،حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس الى غيره ويدَعه ، أُولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى " . أخرجه الدارمي باسناد صحيح .
ومن المعايير الخاطئة التعويل على تغريد المغرِّد دون النظر إلى حاله ومآله . قال أفلاطون (ت: 348 ق.م ) :" عقول الناس مُدوَّنة في أطراف أقلامهم، وظاهرة في حسن اختيارهم " .
ومن المعايير الزائفة الدعوة الى التخلق بأخلاق الفاشلين وأهل العفن ، ممن خدعتهم أضواء الاعلام والشهرة .
ومن المعايير الخاطئة التندُّر بالتحديث بالكذب والتهوين من آثاره ، وهو مما أقرَّت بقبحه الدوابّ . وقد روي في بعض الآثار أن نملة خرجت من بيتها فصادفت شِّق جرادة ، فحاولت أن تحمله فلم تُطِق فذهبت وجاءت معها بأعوان يحملنه معها ، قال الراوي : فَرَفعتُ ذلك من الأرض فطافت في مكانه فلم تجده ، فانصرفوا وتركوها ،قال فَوَضَعْتُهُ فعادت تحاول حمله فلم تقدر، فذهبت وجاءت بهم فَرَفَعْتُهُ ، فطافت فلم تجده فانصرفوا ،قال فعلتُ ذلك مرارا ، فلما كان في المرة الأخرى استدار النمل حلقة ووضعوها في وسطها وقطَّعوها عضواً عضوا .