سلعة الله الغالية – الجزء الثاني
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على النبي الأمين ، أما بعد:
رحلة من القبر إلى الجنة !! :
تكلمنا في الجزء الأول عن بعض أوصاف الجنة
واليوم بإذن نحاول أن نجمل تلك الرحلة من قبر إما روضة من رياض الجنة جعلها الله
مأوانا ومأواكم ، أوحفرة من حفر النار نعوذ بالله منها لنا ولكم
ولعلَّ النبي صلي الله عليه وسلم أوجز هذه الرحلة في سطور نترككم مع حديثه
المشوِّق عن تلكم الرحلة الطويلة فإلى هناك :
سأل عليٌ رضي الله عنه النبي صلي الله عليه وسلم عن تفسير قوله جل و على :
"يومَ نحشرُ المتقينَ إلى الرحمنِ وفداً" {مريم85}.
فقال صلي الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا
من قبورهم استـُقبِلوابنوقٍ:
1. بيضِ
2. لها أجنحة
3. عليها رحال الذهب
4. شَرَكُ نعالهم نورٌ يتلألأ
5. كلُّ خطوةٍ منها مدَّ البصر
وينتهون إلى باب الجنة ، فإذا حلّقة من ياقوتةٍ حمراء على صفائح الذهب
وإذا شجرةٌ على باب الجنة ينبع من أصلها عينان ، فإذا شربوا من إحداهما
جرت في وجوههم نضرةُ النعيم ، وإذا توضّؤوا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبداً
فيضربون الحلقَة بالصفيحة ، فلو سمعت طنبن الحلقة!!
فيبلغَ كل حوراء أنّ زوجها قد أقبل ، فتستخفـُّها العجلة فتبعث قيّمها فيفتح له الباب
فلولا أنّ الله عزّ و جل عرّفه نفسه لخرَّ له ساجداً مما يرى من النور والبهاء!!
فيقول أنا قيمك الذي وكلت بأمرك ، فيتبعه فيقفوا أثره فيأتي زوجتـَه فتستخفها
العجلة فتخرج من الخيمة فتعانقهُ و تقول : أنت حبي وأنا حبك ، وأنا الراضية
فلا أسخط أبداً ، وأنا الناعمة فلا أبأس أبداً ، والخالدة فلا أظعَنُ أبداً
فيدخلُ بيتا
1. من أساسه إلى سقفه مائة ذراع
2. مبنيٌ على جندل اللؤلؤ والياقوت : طرائق حمر ، وطرائق خضر ، وطرائق صفر
ما منها طريقة تُشاكلُ صاحبتها.
فيأتي الأريكة:
1. فإذا عليها سريرٌ على السرير سبعون فراشاً
2. عليها سَبعون زوجة
3. على كل زوجة سبعون حُـلّة
4. يُرى مخُّ ساقها من باطنِ الجلدِ
5. يقضي جماعهُنَّ في مقدار ليلة
تجري من تحتهم أنهارٌ مطّردة -فائضة-
1. أنهارٌ من ماءٍ غير آسن ، صافٍ ليس فيه كدَر
2. وأنهارٌ من عسل مُصفّى ، لم يخرج من بطون النحل
3. وأنهار من خمرٍ لذّةٍ للشاربين ، لم تعصره الرجال بأقدامها
4. وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه ، لم يخرج من بطون الماشية
فإذا اشتهوا الطعام:
1. جاءتهم طيورٌ بيضُ فترفعُ أجنحتها فيأكلون من جنوبها من أي
الألوان شاءوا ، ثم تطير فتذهب ،
2. فيها ثمارٌ متدلية ، إذا اشتهوها انشغب الغصن إليهم فيأكلون من أي
الثمار شاءوا ، إن شاء قائما وإن شاء متّكئاً ، وذلك قوله عز و جل :
"و جنى الجنتين دانٍ" {الرحمن54}
وبين أيديهم خدمٌ كاللؤلؤ".
ألذ ُُّ نِعمِ الجنة :
لعلَّ من قرأ أوصاف الجنة و ما في الجنة في الجزء الأول من المقال شعر بأن هذه النعم
وهذه الهدايا و الهبات من الله هي قمة اللذة وهي ذروة الشهوة وهي نيلُ المُنى
ولكنَّ المتأمر في حديث رسول الله ، والباحث عن الحقيقة المفرحة يجد أنه بالرغم
من جمال تلك النعم و رقيها و بلوغها من إمتاع المؤمنين في الجنة كلَّ مبلغ
أن هناك نعمة وهدية أجمل وأحلى من كل هذه النعم ، بل لا نستغرب أنه حين يتلقّى
هذه الهدية وهذه النعمة من الله ينسى كل النعم سابقة الوصف
ونترككم مع البشير محمد صلي الله عليه وسلم يحدثنا عن تلك النعمة
حيث يقول صلي الله عليه وسلم
"إذا دخل أهل الجنةِ الجنة َ ، وأهل النارِ النارَ ، نادَ منادٍ يا أهل الجنة إن لكم
عند الله موعدا فيقولون: ما هو؟ ألم يثـقـِّل موازيننا ويبيّض وجوهنا ويدخلنا
الجنة وينجّنا من النار؟ ، فيكشف الحجابَ فينظرون إلى الله ، فو اللهِ ، ما أُعطاهم
الله شيئاً هو أحبُّ إليهم من النظرِ إليه".
وعن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال :
"إنَّ أهل الجنة إذا بلغ النعيمُ منهم كلَّ مبلغ وظنّوا أن لا نعيم أفضلَ منه ، تجلّى لهم
الربُّ تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الرحمن ، فنسوا كل نعيمِ عاينوه
حين نظروا إلى وجه الرحمن".
نعم هذه أوصاف الجنة و لكن هناك المزيد !! :
أيها الأحباب مهما أسهبنا في وصف الجنة و تفصيل ما فيها لن نستطيع التعرُّفَ
عليها إلا إذا صرنا فيها و كنـّا من أهلها نسال الله ذلك إنه القادر عليه
وهذا مما يدل عليه الحديث الذي يرويه أبو هريرة (رضي الله عنه)
عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن رب العزَّة : "أعددت لعباديَ الصالحينَ مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت و لا خطر على قلب بشر
واقرؤوا إن شئتم : (فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفِيَ لهم من قَرَّةِ أعيُنٍ جزاءاً بما كانوا يعملون)
[السجدة 17]".
أخي الكريم أختي الكريمة ، فلنلاحظ هذا التدرج الواقعي الجميل في حديث
رسول الله (صلي الله عليه وسلم):
إن الإنسان يرى في حياته أشياء كثيرة ولكن ما في الجنة أكثر مما رأى – مالا عينٌ
رأت- ، ويسمع عن أشياء أكثر وأعجب مما رأى وأيضا ما في الجنة أكثر مما
سمع – ولا أذنٌ سمعت- ، وهو أيضاً يستطيع أن يتخيل أكثر مما رأى وسمع
ونعيم الجنة أكثر حتى مما يتخيل الإنسان - ولا خطر على قلب بشر-، هذا التدرج
الذي راعاه الحديث يـبـيـّن لنا بوضوح عظيم أن ما في الجنة من نِعَم لم ولن نستطيع
معرفته و لا تصوره إلا عند الإقامة فيها و التنعُّمِ بنعيمها .
ذبحُ الموتِ و الخلود :
أيها الحبيب إن المنعّم صاحب العيش المريح لا يتمنى بحال من الأحوال أن يزول
عنه النعيم ، وفي الجانب الآخر فإن صاحب الحزن و البلاء و ضيق العيش يتمنى
أن ينفرج كربه و ينزاح همه و تتسع معيشته ، فلو تخيّلنا أهل الجنة في جنتهم
وأهل النار في نارهم ، أهل الجنة لا يتمنون تركها ، وأهل النار يرجون الخلاص
من عذابها ، وفي ظل هذه الحال
كما يروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
"يُجاءُ بالموتِ على صورة كبشٍ أملح ، قيوقـَفُ بين الجنة و النار ، ثم يُقال:
يا أهل الجنة ، فيطّلعون مشفقين ، ويُقالُ يا أهل النار ، فيطلعون فرحين
فيُقال: هل تعرفون هذا؟ ، فيقولون نعم هذا الموت ، فيُذبحُ بين الجنة والنار
ثم يُقال : يا أهل الجنة خلودُ فلا موت ، ويا أهل النارِ خلودٌ فلا موت " فيزداد أهل الجنة
فرحا إلى فرحهم وأهل النار تعسا إلى تعاستهم وحزنا إلى حزنهم.
إخواني بـُشراكم!!:
إنَّ من الناس من يظنُّ أن أهل الجنة قليلون ، وأن معظمهم من الصحابة العظماء
الأتـقياء الأنـقياء ، وذلك الظن الذي ظنه أحد الصحابة الكرام ولكن ردّ رسولنا
الحبيب صلي الله عليه وسلم كان حساماً فاصلاً
و يروي لنا أبو سعيد الخدري(رضي الله عنه) قصة كان شاهدا عليها فيقول:
أن رجلاً قال : يا رسول الله : طوبى لمن رآك وآمن بك
فقال صلي الله عليه وسلم :
" طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي و لم يرني"
فقال رجل : يا رسول الله وما طوبى؟ فقال صلي الله عليه وسلم :
"شجرة في الجنة ، مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها".
ختاما نقول بقول رسول الله (صلي الله عليه وسلم):
"..لو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المسلم
بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار".
ورحم اللهُ الإمام الشافعي حيث نظم بيتين من الشعر قال فيهما :
خفِ اللهَ وارجــوهُ لــكــلِّ عـظيـمـةٍ، ولا تطعِ النفسَ اللَّجـوجَ فتـندما.
وكن بين هاتينِ من الخوفِ والرجا وأبشِر بعفوِ اللهِ إن كنتَ مُسلما.