بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء يخلفونهم في تعليم العلم النافع نقيا من تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والله وصحبه أجمعين.. وبعد..
فإن الله سبحانه وتعالى عظم من شأن العلماء العاملين. فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}
وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليله البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثه الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذة أخذ بحظ وافر)
والنصوص في هذا المعنى كثيرة مشهورة وفيها الحث على تعلم العلم وتعليمه لأنه لا يصلح أمر الدنيا والآخرة إلا به.
ولهذا أمر الله سبحانه بتعلم العلم قبل القول والعمل قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
فلا يحل لأحد أن يقول في مسائل الدين وأحكام الحلال والحرام بدون علم لأن ذلك قول على الله سبحانه بلا علم وقد حرم الله ذلك أشد التحريم بل جعله قرينًا للشرك.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فيلزم الجاهل أن يتعلم من العالم.
وتعلم العلم على نوعين:
النوع الأول: فرض على الأعيان لا يعذر أحد بتركه وهو تعلم ما يستقيم به دينه وتصلح به عقيدته وصلاته وزكاته وصيامه وحجه وعمرته فتعلم هذه الأمور واجب على كل شخص بعينه.
النوع الثاني: ما زاد عما ذكر كأحكام المعاملات والمواريث والأنكحه والقضاء فهذا تعلمه واجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإن تركه الكل أثموا.
وتعلم العلم بنوعيه العيني والكفائي إنما يتلقى عن العلماء الثقاة الذين حملوه بأمانة،
قال - صلى الله عليه وسلم - (يحمل هذا العلم في كل خلف عُدُولُه)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (العلماء ورثة الأنبياء)
فكما أن العلم يتلقى عن الأنبياء حال وجودهم في الناس فكذلك يتلقى عن خلفائهم وورثتهم بعد موتهم وهم العلماء ولا تخلو الأرض – ولله الحمد - في كل وقت من قائم منهم لله بحجه.
فيجب على المسلمين أن يتلقوا العلم عنهم ويعملوا بتوجيهاتهم – لكننا في هذه السنوات الأخيرة مع الأسف الشديد – نرى كثيرًا ممن يرغبون في العلم، خصوصًا الشباب قد عدلوا في هذه الطريقة فعدلوا عن تلقي العلم عن العلماء الثقات إلى تلقي العلم إما عن أناس جهال لا يعرفون مدارك الأحكام ومناط الحلال والحرام وإما عن أناس غير معروفين بالثقة والأصالة في العقيدة الصحيحة.
ولا شك أن هذا الصنيع سيئول بهم إلى ما لا تحمد عقباه قال بعض السلف: " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا ".
فيا شباب المسلمين ويا طلبة العلم اتصلوا بعلمائكم وارتبطوا بهم وتلقوا العلم عنهم ارتبطوا بالعلماء الثقات المعروفين بسلامة المعتقد وسلامة الاتجاه لتأخذوا عنهم العلم وتصلوا السلسلة بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - كما كان أسلافكم على ذلك فما زال المسلمون يتلقون هذا العلم عن نبيهم بواسطة علمائهم جيلًا بعد جيل.
هؤلاء الذين تحدثنا عنهم صنف وهناك صنف آخر من المتعلمين يتلقى العلم عن الكتب ولا يتصل بالعلماء زاعمًا أنه يستغني بتلك الكتب عن العلماء وهذا خطأ عظيم ويترتب عليه خطر كبير لأن الكتب ما عدا كتاب الله وسنة رسوله فيها الغث والسمين وفيها الخطأ والصواب، بل في بعضها الدس والكذب على الإسلام وزرع الشبهات. والمتعلم المبتدئ لا يميز بين ما فيها من النافع والضار بل ربما يكون الضار أعلق بذهنه فلا بد له من معلم بصير يفحص له الكتب ويضع يده على ما فيها من نافع وضار وخطأ وصواب.
ومن ثم كان طلبة العلم قديمًا يسافرون إلى الأقطار النائية ليلتقوا بالعلماء ويتلقوا عنهم العلم النافع ولم يكتفوا بمطالعة الكتب فهذا الإمام أحمد سافر الأسفار الطويلة لرواية الحديث وهذا الإمام محمد بن عبد الوهاب سافر من نجد إلى الحجاز وإلى الأحساء وإلى البصرة للأخذ عن العلماء وهذا وهذا وأخبارهم في ذلك طويلة، فلو كانت الكتب تكفي كان بإمكانهم الحصول على نسخ منها ولم يتكلفوا عناء الأسفار في وقت لم تكن سيارة ولا طائرة.
وخلاصه القول:
أن الكتب إنما هي أداة فقط لا تغني عن المعلم.
وهناك صنف من متعلمي زماننا ظهر أخيرًا يقول للمبتدئين: لا ترجعوا إلى الكتب ولا تراجعوا العلماء بل اقرءوا القرآن والأحاديث واستنبطوا الأحكام من نصوصهما. يقولون هذا وأغلبهم قد لا يحسن قراءة الآية من القرآن على الوجه الصحيح فضلًا عن معرفة معناها.
هذا الصنف أخطر من الذي قبله لأنه لا يعرف قواعد الاستدلال ومعلوم أن النصوص فيها المحكم وفيها المتشابه وفيها المجمل والمبين وفيها الخاص والعام وفيها المطلق والمقيد والأحاديث فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وعلاوة على ذلك فإن هناك أدلة غير هذين الأصلين فهناك الإجماع والقياس وهناك الأدلة المختلف فيها عند الأصوليين.
وهذه المدارك لاستنباط الأحكام لا يعرفها إلا الراسخون في العلم لا كل العلماء فكيف بهؤلاء المبتدئين يسطون على النصوص ويهجمون على الأحكام من غير بصيرة.
إنه يجب الأخذ على أيديهم لئلا يهلكوا أنفسهم ويهلكوا غيرهم وليس لهم من حجه يبررون بها صنيعهم هذا إلا الفرار من التقليد ولا بد لمثلهم من التقليد لأن الذي يجب عليه الفرار من التقليد هو العالم المتمكن من الاستنباط والاجتهاد وهو من توفرت فيه معرفه الأمور التي سبق شرحها أما من لم يكن كذلك ففرضه التقليد قال تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
فاتقوا الله يا معشر المتعلمين واتقوا الله يا علماء المسلمين فخذوا بأيدي هؤلاء إلى جادة الصواب ووجهوهم الوجهة الصالحة وامنحوهم من وقتكم ومن علمكم ما يبرئ علتهم ويروي غلتهم ليسعد بهم مجتمعهم وتصلح بهم أمتهم.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين...
البيان لاخطاء بعض الكتاب
(مجموعة ردود ومناقشات في مواضيع مختلفة)
بقلم
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
حفظه الله
م\ن