<div align="center">السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( أعمال الملائكة ))
خلق الله الكون ، فأحسن خلقه ، وأبدع نظامه ، وسيره وفق إرادته ومشيئته ، فجاء خلقا حسنا بديعاً ، وكان من كمال ملك الله سبحانه ، وعظيم سلطانه ، أن أناط تدبير الكون وأعمال الخلق بملائكة خلقهم لذلك ، كما قال تعالى : { فالمدبرات أمرا } ( النازعات : 5) قال الحسن : هي الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، وقال تعالى : { فالمقسمات أمرا } ( الذاريات : 40) جاء في تفسيرها : هي الملائكة تقسم الأعمال عليها ، من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث .
وقد ذكر الله تعالى بعض الأعمال التي وكل بها ملائكته ، فمن ذلك قوله تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } ( الرعد : 11) ) فهذه ملائكة تحفظ الإنسان من الشرور بأمر الله سبحانه ، حتى إذا جاء القدر خلو عنه ، وقال سبحانه { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ } (الأنعام:61) فذكر في هذه الآية أن الملائكة هي التي تتولى نزع روحه .
وجاء في السنة ما يدل على عناية الله بالإنسان في بدء تكوينه وتخلقه في الرحم فقد روى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله عز وجل وكَّل بالرحم ملكا يقول : يا رب نطفة ، يا رب علقة ، يا رب مضغة ، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال : أذكر أم أنثى ، شقي أم سعيد ،فما الرزق والأجل فيكتب في بطن أمه ) .
ومن الأحاديث ما يدل على أن من الملائكة من هو موكل بتتبع حلق الذكر فقد روى البخاري أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر . فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ) .
ومن الأحاديث ما يدل على أن من الملائكة من هو موكل بحفظ الأماكن المقدسة من الدجال ، كما روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، .. ) .
فهذه بعض أعمال الملائكة التي ذكرت في الكتاب والسنة دون تعيين أصحابها من الملائكة .
وفي المقابل ورد في الكتاب والسنة ذكر أعمال معينة مصرحا بأسماء أصحابها ، ومن أعظم الملائكة الذين صرح الكتاب والسنة بذكرهم : جبريل عليه السلام أمين الوحي ، وميكال أمين القطر وكلاهما موكل بالحياة فجبريل موكل بحياة القلوب وميكال موكل بحياة الأبدان ، وبهما ( الوحي والقطر ) تقوم الحياة وتنعم البشرية ، قال تعالى { مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } (البقرة:98) .
وممن ورد ذكره في القرآن مصرحا باسمه مالك خازن النار قال تعالى : { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُون َ} (الزخرف:77) .
ومن الملائكة الذين صرح القرآن بأسمائهم هاروت وماروت عليهما السلام ، قال تعالى : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ }(البقرة: من الآية 102) .
وقد ذكر في السنة بعض أسماء الملائكة وأعمالهم ، فممن صرحت السنة باسمه ،إسرافيل عليه السلام وهو الموكل بالنفخ في الصور ، فقد روى أحمد والترمذي وصححه الألباني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له . قالوا كيف نقول يا رسول الله ؟ قال قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا ) ، وقد ورد في رواية التصريح بأن إسرافيل هو صاحب الصور .
وممن ذكر اسمه في السنة المطهرة أيضاً منكر ونكير عليهما السلام ، وهما الملكان الموكلان بسؤال العبد في قبره وقد ورد ذكرهما عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا قبر أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير .. ) .
وقد اشتهر على ألسنة الناس أن اسم ملك الموت عزرائيل ، وهذا التسمية - كما يقول العلماء - لم ترد في حديث صحيح ، وقد ذكر سبحانه ملك الموت بذكر عمله فقال { قل يتوفاكم ملك الموت } ( السجدة : 11 ) .
فهذه بعض أعمال الملائكة التي وردت في الكتاب والسنة ، وهي تدل - كما يقول ابن القيم - على " أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة ، فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره ، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة لكونهم هم المباشرين للتدبير كقوله : { فالمدبرات أمرا } ، ويضيف التدبير إليه كقوله : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر } ، فهو المدبر أمرا وإذنا ومشيئة ، والملائكة المدبرات مباشرة " ، وبهذا التصور لحركة الكون ، المنبثق من حقائق التنزيل ، تتجلى عظمة الخالق سبحانه ، ويتجلى عظيم ملكه ، وبديع سلطانه</div>