<div align="center">
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد فهذه حلقة جديدة من التفسير ..
الحلقة السادسة / الآيات ( 30-35 )
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font>
{30} يقول تعالى ، مخوفًا لعباده : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ؟ وذلك من كثرة ما ألقيَ فيها ، وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أي : لا تزال تطلبُ الزيادة من المجرمين العاصين ؛ غضبًا لربها ، وغيظًا على الكافرين [ فهي تقول : هل من مزيد ؟ أي : هل بقي شيء تزيدوني ؟
والله عز وجل على كل شيء قدير ، فهو سبحانه يجعل النار تميِّز وتنطق وتخاطب بل وتبصر بحدة ، كما قال سبحانه : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ، وكما في الحديث الآتي (( وتقول : قط قط )) ، وهذا حقيقة لا مجاز ، كما جعل الله عز وجل ذلك في النملة في قصتها مع نبي الله سليمان - صلى الله عليه وسلم – <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ، وكما جعل سبحانه المخلوقات تسبح بحمده ؛ وكما قال عز وجل في أعضاء الإنسان حين تشهد عليه يوم القيامة <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>قالو أنطقنا الله<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ] .
وقد وعدها الله مَلْأها ، كما قال تعالى : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> <span style='colorlue'>[ فالله عز وجل وعد النَّار أن سيملؤها من الجِنِّ والإنس المعرضين عن الحق ] ؛ حتى يضعَ ربُّ العِزَّةِ عليها قدمه الكريمة المُنَزَّهَةَ عن التشبيه ، فيَنْزَوِي بعضُها على بعض ، وتقول : قَطْ قَطْ ؛ قد اكتفيْتُ وامتلأْتُ .
[ وفي الحديث الصحيح : (( لا تزال جهنَّم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رَبُّ العزّة قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قَطْ قَطْ وعِزَّتِك وكرمِك . ولا يزال في الجنَّة فَضْلٌ حتى يُنْشِيءَ اللهُ لها خلقاً آخرَ فيُسكِنَهم الله تعالى في فُضُولِ الجنَّة )) رواه مسلم .
ومن حِكم سؤال الله عز وجل للنَّار – وهو سبحانه يعلم هل امتلأت أم لا – التوبيخُ لمن أُدخِلَها ، والزيادة في مكروهه ؛ والدليلُ على تصديق وعده عز وجل في قوله : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>لأملأنَّ جهنّم من الجنة والناس أجمعين منكم أجمعين<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> وغيره ] .
{31} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : قُرِّبَتْ [ وأُدْنِيَتْ من المتقين ] بحيث تُشَاهَد ويُنْظَرُ ما فيها من النَّعيم المقيمِ والحبرة والسرور ؛ وإنَّما أُزْلِفَتْ وقُرِّبَتْ ، لأجل المتقين لربهم ، التَّاركِين للشرك ، صغيرِه وكبيرِه ، المُمْتَثِلِين لأوامرِ ربِّهم ، المُنْقَادِينَ له . [ <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>غير بعيد<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> تأكيد لقربها ، وذلك يوم القيامة ؛ وليس ببعيد ، لأنَّه واقع لا محالة ، وكلّ ما هو آت قريب ؛ وقال البغوي : ينظرون إليها قبل أن يدخلوها ]</span> .
{32} ويقال لهم على وجه التهنئة : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : هذه الجنة وما فيها مما تشتهيه الأنفس وتَلَذُّ الأعين ، هي التي وعدَ اللهُ كُلَّ أوَّابٍ ؛ أي : [ تائبٍ مقلعٍ ] رجَّاعٍ إلى الله في جميع الأوقات [ كثير الرجوع إليه سبحانه ] ؛ بِذِكْرِهِ وحُبِّهِ والاستعانةِ به ودعائِه وخوفِه ورجائِه [color=blue][ من آب يؤوب ، إذا رجع ، وقيل : هو المسبِّح لله ، مثل قوله سبحانه : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>يا جبال أوِّبي معه<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ] .
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>حَفِيظٍ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : مُحَافِظٍ على ما أمَرَ اللهُ به ؛ بامتثالِه على وجه الإخلاص ، والإكمالِ له على أتَمِّ الوجوه ، حفيظٍ لحدوده [ فهو حفيظ لأوامر الله فيفعلها ، ولنواهيه فيتركها ، ويحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه ] .
{33} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : خافه على وجه المعرفة بربِّه والرجاء لرحمته ، ولازم على خشية الله في حال غيبه ، أي : مغيبِه عن أعين الناس . وهذه هي الخشية الحقيقية ، وأمَّا خشيته في حال نظر النَّاس وحضورهم ، فقد يَكون رياءً وسمعة ؛ فلا يَدُلّ على الخشية ، وإنَّما الخشيةُ النَّافعة : خشية الله في الغيب والشهادة ، [ فيكون المعنى : من خاف الله في سِرِّه ، حيث لا يراه أحدٌ إلا الله عز وجل ، فاتقاه ؛ ومن صوره العظيمة ، قولُ النبي صلى الله عليه وسلم في صفة أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه : (( ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) ] .
ويحتمل أنَّ المُرَاد بخشية الله بالغيب ، كالمراد بالإيمان بالغيب ، وأنَّ هذا مقابل للشهادة حيث يكون الإيمانُ والخشيةُ ضَروريَّاً لا اختياريَّاً ، حيث يُعَايِن العذابَ وتأتي آياتُ الله ، وهذا هو الظاهر .
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : وصفه الإنابة إلى مولاه ، وانجذاب دواعيه إلى مَرَاضِيه [ أي : لقي الله عز وجل يوم القيامة بقلب منيب راجع إلى طاعة الله عن معصيته ، سليم من الشرك ] .
{34} ويقال لهؤلاء الأتقياء الأبرار : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : [ الجنَّة ] ، دخولًا مقرونًا بالسلامة من الآفات والشرور ، مأمونًا فيه جميع مكاره الأمور ، فلا انقطاع لنعيمهم ، ولا كدر ولا تنغيص [ قال قتادة : سلموا من عذاب الله عز وجل ، وسلَّم عليهم ملائكة الله ] .
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> الذي لا زوال له ولا موت ، ولا شيء من المكدرات [ يخلَّدون في الجنَّة ، فلا يموتون أبدا ، ولا ينتقلون منها ، ولا يبغون عنها حولا ، لما هم فيه من النعيم والأمان والسلام ] .
{35} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : كل ما تعلقت به مشيئتُهم ، فهو حاصل فيها ولهم فوق ذلك [ فأيّ شيء شاءوه يجدوه ، وأي صنف من المَلاذِّ طلبوه يحضر لهم ]
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>مَزِيدٌ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : ثواب يُمِدُّهم به الرحمنُ الرحيم ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وأعظمُ ذلك وأجلُّه وأفضله ، النظرُ إلى وجه الله الكريم ، والتّمتع بسماع كلامه ، والتنعم بقربه ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم [ وقد ورد في الحديث الصحيح عن صهيب الرومي رضي الله عنه ، أنَّ المزيد : النظر إلى وجه الله الكريم ، ومن أُكرِم بهذا النعيم العظيم ، فلا يشاء شيئاً دونه إلا تحقق له ، كما في أول الآية .
ويستأنس لذلك بقوله تعالى : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>للذين أحسنوا الحسنى وزيادة<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> لأنَّ الحسنى : الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الباري عز وجل ، نسأل الله فضله بمنه ورحمته ]
قال مقيده عفى الله عنه :
لطيفة
بمناسبة تفسير قول الله عز وجل
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>من خشي الرجمن بالغيب<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> :
جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله .. وطرق باب الدار ، ففتح له الإمام الباب فبادره - بسؤاله عند الباب - قائلاً :
يا إمام ! ما تقول في النشيد ؟
قال الإمام :
مثل ماذا ؟
قال الرجل :
مثل قول القائل :
إذا ما قـال لـــي ربِّـــي
أما استحييت تعصيني ؟!
وتخفي الذنب من خلقي
وبالعصيــــان تأتينـــي !
فاستدار الإمام نحو داخل الدار وهو يردد :
إذا ما قـال لـــي ربِّـــي
أما استحييت تعصيني ؟!
وتخفي الذنب من خلقي
وبالعصيــــان تأتينـــي !
رحمك الله أيها الإمام !
ما أحصفك وأورعك : لم تبادر بالإجابة .. بل تثبت من المسؤول عنه بالمثال الواقعي حتى تقول ما تدين الله به ، وحتى لا يتلاعب متلاعب بفتواك .. ثم أجبت بعملك جوابا يدل على قلب رقيق .. رققه الكتاب والسنة .. حتى لم يتحمل هذه الموعظة العظيمة التي جاءتك على لسان سائل !
إعــــــــــــــــــــــــــــلان ودي
في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى سأضع هدية قيمة لأحبتنا الكرام .. كدت أضعها الآن لكن رأيت أن أتأمل في مناسبة وضعها لمن ليس لديه معلومات مسبقة عن حقيقتها .. وخروجا من ذلك سأضعها - إن شاء الله تعالى - بشروط هي محل ألتأمل .</div>
روابط الحلقات السابقة
الحلقة الأولى والثانية :
http://www.ala7ebah.com/upload/index...showtopic=5833
الحلقة الثالثة ( وفيها تذكير بطريقة التفسير هنا ) :
http://www.ala7ebah.com/upload/index...showtopic=6062
الحلقة الرابعة :
http://www.ala7ebah.com/upload/index...showtopic=6125
الحلقة الخامسة :
http://www.ala7ebah.com/upload/index...showtopic=6202