عندما كنت طفلة .. كان هناك رجال ..
كنت أرى نفسي أسعد الأطفال ..
كنت أعيش في إحدى المدن في حي نسميه الوطن العربي ..
عندما كنت طفلة ..
كانت البناية التي نسكنها تحتوي على خليط من البشر من الممكن أن نسميها العالم ..
لكننا كنا مترابطون نحن المسلمون العرب من سكان البناية كنا جميعاً سعداء بما تحمل كلمة السعادة من معنى .
كنا نحن الأطفال نلعب سوياً نأكل سوياً ونخرج للشارع سوياً ..
عندما كنت طفلة ..
كنت أسعد الأطفال .. بل جميعاً كنا سعداء ..
كنا عندما نعبر الشارع لا نضطر للنظر بالاتجاهين ..
لأننا نعيش بين الرجال ..
جميع السيارات تتوقف عندما يعبر الأطفال الشارع ..
الأطفال فقط ؟؟ بل أي إنسان يعبر الشارع بكل أمان ..
لأن سائق السيارة يعرف أصول القيادة .. وأصول الإنسانية ..
عندما كنت طفلة ..
كان رجال الحي جميعهم أباء لنا جميعاً ..
كان بأسفل البناية مطعم ..
عماله جميعاً عرب ..
كانوا يشعروننا بالأمان ..
مادام المطعم يعمل إذاً نحن ننزل ونصعد بكل طمأنينة ..
عندما يقترب المغيب ..
كان الرجال من عمال المطعم يخافون علينا ويأمروننا بالصعود إلى منازلنا ..
وإن أبينا .. كانوا رجال ..
يضربوننا بأعواد الملوخية المتبقية بعد قطف أوراقها ليجهزوا منها طبق الغد ..
فنصعد جرياً إلى شققنا الصغيرة المساحة .. الكبيرة المعاني والقيم .. كنا نعود مثل الطيور تعود إلى أعشاشها ..
نحن البنات من نعود أما الصبية فقد كانوا يذهبون للصلاة مع عمال المطعم .. مع الجار ..مع الخباز .. لا مشكلة .. لا خوف .. لأنهم جميعاً كانوا رجال ..
عندما كنت طفلة
كان هناك رجال
كانت أمي رحمها الله وجاراتها يصنعن أقراص العجين ويضعن عليها الجبن أو الزعتر ونتسابق نحن أبناء البناية للأسفل لنعطيه للرجال ..
عمال المخبز .. كانوا رجال ..
ينضج الخبز ونقف نحن الأطفال طوابير ليأخذ كل منا حصته .. ونصعد بأشهى معجنات إلى أمهاتنا بعد أن يكون كل منا تذوق ما استطاع ولولا حرارة الفرن لصعدنا وأيدينا خالية وبطوننا ممتلئة ..
لكن الحقيقة لم يكن يحلوا الطعام إلا وجميع أفراد الأسرة مجتمعة .. فهذه مبادئ يعمل بها كل أهل البناية .. كان لنا نشيد خاص عند عودة الرجال من العمل .. فالأب كان شخصية رائعة قوية نشعر معه بالحماية بالأمن والأمان ..
عندما كنت طفلة ..
كان مسموح لنا العيش بحرية لأننا مسلمون عبيد لله وحده ..
نعرف ما لنا وما علينا ..
كانت الفتاة منا تلبس العباءة لأول مرة في الصف الخامس .. وعلى رأسها مباشرة .. لا تدرج في العقيدة والمبدأ ..
عندما كنت طفلة ..
كنت أنتظر وكذلك أخواتي وجاراتي .. ننتظر اليوم الذي تلبس فيه إحداهن العباءة والبعض كن يلبسنها في سن أصغر .. لأنها شعار فخر لكل فتاة تربت في زمن طفولتي ..
كنا نلعب الفتيات مع الصبية من جيراننا وإخواننا على سطح البناية وفي الشارع حتى نهاية الصف الثالث وعند دخولنا للصف الرابع يكون لعبنا مع بنات البناية على سطح البناية فقط الشارع ممنوع .. لم نعترض ولم نسأل لماذا ؟ ونحن في جميع الحالات سعداء .. لأننا تربينا على مبادئ وقيم عالية .. ونبدأ مرحلة جديدة .. بمبادئ راسخة ..
عندما كنت طفلة ..
لا يمكن أن يُظلم منا صغير أو كبير ..
لقد كان هناك رجال ..
يقفون في وجه الظالم وينتصرون للمظلوم .. ومن ثم يعودون اخوة ..
عندما كنت طفلة ..
كنا نفرح عندما تجمع معلمتي منا سنوياً ريال فلسطين ..
فنحن نجمع هذه الريالات لنقف إلى جانب أهلنا وإخواننا في فلسطين ..
بناتي نحن نجهز أنفسنا لملحمة الجهاد ..هذا ما كانت تقوله معلمتي ..
كنا نحلم بيوم البطولة والملحمة .. يوم تحرير المسجد الأقصى ..
عندما كنت طفلة ..
كان لرمضان معانٍ كبيرة وللصيام روحانية .. قيم ومبادئ ..
عندما كنت طفلة .. كان رمضان مدرسة .. مع انه كان في فصل الصيف والإجازة الصيفية ..
كنا نتعلم قيم ومبادئ الصيام .. كنا نشعر بمعاناة الفقراء .. كان جميع الأطفال يصومون ..
في الشارع الشرقي الخبّاز والخضّار.. المطاعم والنداء الذي لا أنساه ( زكي ياصايم زكي )
والنوم مبكراً للقيام للسحور ..
وفي الشارع الغربي المحلات التجارية وملابس العيد ومحلات الألعاب ..
عندما كنت طفلة ..
كان للعيد فرحة وبهجة روحانية
كان للألعاب معنى لأننا لا نشتري لعبة إلا في العيد ..
أبناء مدينتي كلها وليس بنايتي فقط كانوا يزدحمون في الشارع الغربي لبنايتنا
وكانت العيديات تملأ جيوب الأولاد وحقائب البنات ..
كان كل الرجال يعطون كل الأطفال العيدية ..
البقال والخضار .. العم والخال .. الجد والجار ..
كنا نشعر من فضل الله بالأمان ..
لقد سخر الله لنا رجال ..
لكن أين ذهب الرجال الذين كانوا حولنا بالأمس عندما كنت طفلة ؟
أين حكايات الطفولة عن النصر القادم ؟
أين أصبحت القيم والمبادئ ؟
ما الذي حدث لأمتي ؟
عفواً ما الذي حدث لرجال أمتي ؟
أين القوامة التي كنا نراها في كل الرجال ؟
أين أخلاق الرجال ؟
أين كلمة الحق التي كنا نسمعها بلا خوف ؟
لم يكن هناك خوفاً إلا من الله وحده ..
أين الرجال ..
في العالم كله ؟
أين الرجال في العالم الإسلامي والعربي ؟
أين الرجال ؟؟
هل ألجمت ألسنهم ؟ كبلت أيديهم ..
هل أعينهم مغمضة .. آذانهم مسدودة ؟؟
هل أصبح الإسلام وأبطال الإسلام بلا قيمة ؟؟
هل وصل بنا الذل والمهانة إلى مرحلة دونية لدرجة أن المصوتون للخنا والفجور في البرامج الساقطة يصل إلى الملايين .. وموت الأبطال الشهداء ..؟؟ لا يحرك ساكناً ..؟؟ حسبي الله ونعم الوكيل..
وآآآآه إسلاماه .
ربي سخر للإسلام جيوش من عندك فإن الجيوش العربية المسلمة تحيط بالكيان الصهيوني لحمايته ..
وليس العكس ..
كما كنا نعتقد عندما كنا صغار ..
بل حتى بعدما كبرنا ..
عندما كنا ننعم بالأمن والأمان ..
عندما كنا لا نزال نخاف من الخالق ونستحي من المخلوقين .. فلم يكن يتجرأ الناس على المجاهرة بالمعصية بهذا الشكل المخزي ..
خوفاً من الله أولاً وأخيراً ثم حياءً من خلقه ..
عندما كان الخوف من الله عبادة ..
عندما كان الحياء عقيدة ..
عندما كنت طفلة ..
كنت أفتخر بكوني مسلمة عربية .. ثم زاد فخري عندما أصبحت أقرأ القرآن الكريم وتفسيره بكل سهولة ويسر ..
ثم عرفت كبر النعمة عندما جلست بجانبي إحدى السيدات التركيات في الحرم المكي بين صلاة العصر والمغرب .. كنت أقرأ القرآن وهي تنظر إلي وتبسم وتشير إلي بابتسامة .. ثم بدأت قبل الغروب في الدعاء من مطوية صغيرة في يدي ( الدعاء الشامل ) تشمل جميع الأدعية من الكتاب والسنة بدأت أختي المسلمة التركية تشير لي أن اقرأ بصوت مرتفع حتى أقول آمين فأنا لا أتكلم العربية لأنني تركية طبعاً كانت كلمات بسيطة حاولت بها مع إشارات بيدها أن توضح لي المعنى السابق ..
بدأت الدعاء وهي تؤمن وتبكي وارتفع صوتها وازداد بكاؤها ولم أكد أنتهي من دعائي حتى أخذت تجهش بالبكاء حتى أبكتني ..
هل نفعتنا عروبتنا ..؟؟
هل نفعنا أنفسنا بلغتنا العربية ؟؟
لغة القرآن الكريم .. كلام رب العالمين ؟؟
إذا انسلخنا من ديننا وفقدنا معنى القيم والمبادئ ..
وعشنا في زمن مليء بالناس نساء ورجال .. لكنهم في سبات ..
فأنا على يقين أن تركية واحدة كأختي المجاورة لي في الحرم .. خير من ألف عربية لا تعرف من لغتها إلا التصويت للساقطين ..
عندما كنت طفلة ..
كانت النساء بألف رجل ..
أما الرجال .. فقد كانوا عقيدة ومبادئ تمشي على الأرض ..
عذراً أمتي ..
على الذل الذي وضعناكِ فيه ..
لكن اصبري ..
لأن دين الله منصور ..
محفوظ بحفظ الله ..
لكننا الخاسرون ببعدنا عنه ..
عظم الله أجركِ أمتي على فقد الرجال .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها
منقووووووووووووووووووووووول