لا تقتلوا الطفولةياله من دين
من حق الطفل أن يضحك وأن يمزح وأن يلعب وهو حق طبيعي اتفق عليه العقلاء وأتت الشريعة بتأييده ففي الحديث : "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع" .
فبعد السبع ابدأ التعليم والأمر والنهي، قال سفيان الثوري: لاعب ابنك سبعاً وأدِّبه سبعاً وصاحبه سبعاً ثم اتركه للتجارب.
فينبغي لنا أن نترك أطفالنا يستمتعون ببراءة الطفولة ، وفي القرآن حكاية عن أبناء يعقوب قولهم لأبيهم ( أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) [يوسف:12] , ثم قالوا ( إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ) [يوسف:17] .
أرجوك أن تترك طفلك يمزح ويلعب ويضحك ويسابق ويعيش كما يعيش العصفور تماماً ولا تثقل عليه بحفظ المتون، وقراءة مقدمة ابن خلدون، ومعارضة قصيدة ابن زيدون، وشرح حاشية ابن القاسم على موطأ مالك.
فقد وجدتُ آباءً بدءوا يحفِّظون أطفالهم المتون في الثالثة والرابعة من أعمارهم ، فعاش الطفل في همٍ وغمٍ ونكد، فإذا ضحك الطفل صاح به أبوه: انتبه يا ولد، وإذا تبسّم قال له: وش هذا ؟
وإذا لعب قال له نسيت الآية (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا )) [المؤمنون:115].
وإذا سأل أباه أن يشتري له لعبة انتهره قائلاً :
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
فإذا استأذنه أن يعلب مع الأطفال أنكر عليه وقال: أين أنت من قول الأول :
إَذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا وَليدٌ تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا
بعض الآباء عذاب واصب وعقوبة من الله على أطفاله، تجدهم يمزحون ويمرحون فإذا دخل عليهم البيت سكتوا وصاحوا: جاء الوالد جاء الوالد، فدخل عليهم كالموت:
(( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ )) [الجمعة:8].
لا تقتلوا البسمة في شفاه الأطفال .
كان سيد البشرية صلى الله عليه وسلم رحيماً بالأطفال يمازحهم يضاحكهم يحملهم، كان يصعد الحسن والحسين على ظهره وهو ساجد وكان يحمل الطفلة أمامة بنت ابنته زينب وهو يصلي بالناس، كان يأخذ الحسن والحسين في حضنه ويقبِّل هذا مرّة وهذا مرّة ويقول : "هما ريحانتايا من الدنيا " .
فيقول له رجل: عندي عشرة أبناء ما قبَّلتُ واحداً منهم، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: " وهل أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك ".
إن الطفل بحاجة إلى متعة ذهنية ورياضة جسمية تجعله مستعداً للحياة القادمة حياة العمل والإنتاج ، فلماذا نستعجل الأيام ونحرمه حقّه الطبيعي في اللعب والمزاح والبهجة؟
أتحرم البلبل من النشيد في البستان؟ أتمنع العصفور من التَّمرغ على بساط الروض؟ أتسكِّت العندليب أن يتغنّى بآيات الحب على غصون الزيتون؟
إن الإعاقة الفكرية قد يكون سببها أب ظالم شرس يجلس مع أطفاله كأنه الحجاج بن يوسف فيقمع في نفوسهم البسمة ويكبت في أرواحهم الفرحة .
فيكبرون وفي قلوبهم مرض القهر النفسي والكبت الأسري فيبقى الواحد منهم غير سوّي، تشاهد على وجهه سحابة سوداء من الكآبة والحزن الدفين من آثار الطفولة البائسة المحرومة.
إن بعض الآباء أسد هصور على أطفاله ولكنه نعجة في مواقف الحق، إذا لم يصل أطفالك لدرجة الفرحة الغامرة والاستقبال الحار بقدومك بحيث أنهم يتسابقون إلى فتح الباب إذا أقبلت فراجع تربيتك لهم وتحول أنت طفلاً وديعاً بينهم فتنـزَّل إلى مستواهم في الحديث.
أسرد عليهم نكاتاً وداعبهم بلطائف وشاركهم لعبهم وسباحتهم وقفزهم ولا يعني ملاطفة الأطفال ومداعبتهم وتركهم يلعبون إهمال الأدب، بل سوف تغرس في قلوبهم الفضيلة بلطفك بهم فتهذِّبهم برفق وتربيهم بعفويّه دون أوامر عسكرّية، إن الطفل لا يعرف إلا أباه فهو يراه أشجع من عنتره وأكرم من حاتم وأحلم من الأحنف.
فمن أراد أن ينشأ ابنه صادقاً كريماً حليماً فليكن هو صادقاً كريماً حليماً، فلنجعل الحب مكان السوط والرفق محل العنف واللطف مكان الكبت حينها نسعد بأبناء أسوياء يحملون رسالتهم في الحياة بجدارة ويصلون إلى كرسي الريادة باقتدار .
وإذا لم يلعب الطفل ويضحك في السنوات السبع الأول من حياته فمتى يضحك ؟.
هل يضحك يوم تقبل عليه الحياة بمتاعبها وهمومها وأحزانها يوم يحمل مسئولية البيت والوظيفة والرزق والحقوق الاجتماعية والواجبات الشرعية وعقوق الناس وتنكر الأصدقاء وركلات الأعداء ؟
حينها يصرخ القلب المفجوع بحنين :
ألا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً فَأُخبِرُهُ بِما فَعَلَ المَشيب
الكاتب : د. عائض القرني.