بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان.. والصلاة والسلام على خير ولد عدنان .. حامل لواء العز في بني لؤي .. وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي .. صاحب الغرة والتحجيل .. المؤيد بجبريل .. المذكور في التوراة والإنجيل .. أفصح من نطق الضاد وهدى العباد وأصلح البلاد .. بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا .. وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا .. صلى الله وسلم عليه كلما تضوّع مسكٌ وفاح .. وكلما ترنم حمامٌ وناح .. وكلما شدا بلبلٌ وصاح .. وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
نسينا في ودادك كل غــال فأنت اليوم أغلى مالدينــا
نلام على محبتكم ويكفــي لنا شرفًا نلام وما علينــا
ولم نلقاكم لكن شوقًـــا يذكرنا فكيك إذا التقينــا
تسلّى الناس بالدنيا وإنــا لعمر الله بعدك ما سلينــا
إن حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- دليل الإيمان والعمل بسنته دليل صدق المحب..
فحبه عليه الصلاة والسلام عبادة، وحبه طاعة مفروضة، وحبه نور سرور وحبور، وحبه ممدود من الأرض إلى السماء طرفه موصول بالواحد الأحد، وآخره في قلوب الصالحين..
وقد توسط أهل السنة والجماعة واعتدلوا في حبهم للرسول عليه الصلاة والسلام، نوّر الله بصائرهم وأعلى منازلهم حيث قالوا في شأن حبيبهم : هو عبدُ ورسولٌ بلّغ من ربه، لكنه لا يرفع الحوائج إلى الله
ولا يملك ضرًّا ولا نفعًا .. ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، أحبوه لأن حُبَّه عليه الصلاة والسلام كحلٌ للعينين ..وبلسمٌ للأرواح .. وتشريفًا للآذان .. وتنويرًا للمجلس .. وطيبًا للأنوف ..
فحبه عليه الصلاة والسلام و الإقتداء به والسير على نهجه هو الطريق الصحيح للوصول إلى الله العلي القدير ..
يقول عليه الصلاة والسلام:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ".
يا من تضوّع طيب القاع أعظمه فطاب من طيب هذا القاع والأكم
نفسي الفداء لقب أنت ساكنـه فيه العفاف وفيه الجود والكــرم
عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام تحت شجرة، فذهب رجل من الأنصار فأخذ فراخ طائر من عشها وأتى به وجلس، فأتت أم الفراخ وأخذت تحوم على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وترفرف على رأسه الشريف وعلى عمامته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن هذه تشكو إلي، فمن أخذ فراخها؟ من أخذ فراخها ؟! قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: رُدّ عليها فراخها، فلما ردّ فراخها رفرفت وخرجت وعادت إلى عشّها..
جاءت إليك حمامة مشتاقــة تشكو إليك بقلب صبٍّ واجـف
من أخبر الورقاء أن مكانكـم حرم وأنك منزل للخائـــف
هذا هو حبه عليه الصلاة والسلام، ولحبه علامات وصفات ومؤهلات، وأول علامات حبه: عليه الصلاة والسلام إتباع سنته، فمن لم يتبع سمنته قولاً وسلوكًا،وعملاً وحالاً، وظاهرًا وباطنًا، وسرًّا وعلانيةً؛ فهو أكبر كذاب في العالم، وهو دجال من الدجاجلة الكبار.. واعلم أنه خائن للشريعة ..
العلامة الثانية: الشوق إليه والحنين له والتلفظ بكل شيء من آثاره. فالإبل وهي حيوانات تأتي الرسول عليه الصلاة والسلام كما ذكر ابن القيم وغيره من أهل العلم: يأتي في حجة الوداع -صلى الله عليه وسلم- ومعه هدية فيأخذ الحربة ويرفعها لينحر مائة ناقة، فتتسابق له النوق والإبل تريد كل منها أن تنحر وأن يذبحها أولاً وهذا مطلق الحب ..
ولما جاء بلال إلى المدينة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقبل الحسن والحسين -{- فجعل بلال يضمهما ويقبلهما، فقالا له:نتمنى أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما قال :" الله أكبر، الله أكبر" ارتجت المدينة .. فلما قال:"أشهد ألا إله إلا الله" ازدادت رجتها، فلما قال:"أشهد أن محمدًا رسول الله" خرجت العواتق من خدورهن وقلن: أبُعِث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟! فما رؤي يوم أكثر باكيًا ولا باكية بالمدينة بعده -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ذلك اليوم لحنين الذكرى وأشواقها ..
العلامة الثالثة من علامات حبه عليه الصلاة والسلام: عدم الاعتراض على شريعته أو الاستهزاء بسنته والتي أكبرها لا إله إلا الله، وأصغرها إماطة الأذى عن الطريق، وفعل كل سلوك فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام كتقصير الثياب وإطلاق اللحى والأكل باليمين والشرب باليمين وتقديم اليمين عند دخول المسجد وتقديم اليسرى خروجًا من المسجد؛ كل ذلك من السنة النبوية المطهرة ومن استهزأ بشيء منها بعد أن يعلم انها سنة فهو كافر يضرب رأسه بالسيف ويصبح دمه حلالاً ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) .
العلامة الرابعة من علامات حبه عليه الصلاة والسلام كثرة الصلاة والسلام عليه، فالصلاة والسلام عليه نور، ولها أجر عظيم، ومثوبة وفضل كبير، فدائمًا عطِّر بها فمك ومجلسك .. فأحسن الدعاء ما يخرج بالصلاة والسلام عليه ..
فكأنه القمر المنير إذا بدا .. جلّى الظُلَم
وكأنه البحر الخضم إذا تقاذف والتطم
وكأنه زهر الربيع إذا تفتّح أو نجم
فصلى الله وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، وما سالت دوحة الأرض بالأنهار وما تهطّلت الأمطار، وما فاحت الأزهار، وما ذكره الذاكرون وما غفل عن ذكره الذاكرون وسلّم تسليمًا كثيرًا ..