عفاف بنت عبد العزيز الحقيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
قديما قالت العرب : شر البلية مايضحك!
حقا إنها شر البلايا وأنكدها، تلك التي لا تملك أمامها إلا الضحك الباكي! وكم تمثلت هذا المثل ورددته في مواقف مختلفة، لكني لم أستشعر عمق دلالته كما استشعرتها في الآونة الأخيرة وأنا أتابع مواقفَ عجيبة متناقضة لا تستطيع حيالها إلا أن تتمثل بذلك المثل!
هل ترغبون في الضحك الباكي قليلا!
سأروي لكم بعض الطرائف:
• يعتبر عمل المرأة في المجال الطبي طبيبة وممرضة وفنية وإدارية في مستشفى مختلط تحضراً ورسالةً إنسانية يجب أن تسهم فيها المرأة.
بينما افتتاح مستشفى نسائيٍّ - تعمل فيه المرأة نفس الأعمال المذكورة دون اختلاط- تخلفاً ورجعية ونكوصا للعصر الحجري، حتى قال قائلهم إمعانا في السخرية والتهكم: مارأيكم أن تقسموا السعودية دورين .. دور للنساء ودور للرجال!!
• حين يكون الحديث عن عمل المرأة السعودية المختلط طيارة أو طبيبة أو مهندسة، أو حتى عالمة ذرة وعضوة في وكالة ناسا الفضائية فهي مفخرة للوطن، وهي قادرة، وتحتاج الثقة والتمكين دون وصاية الرجل، لتسهم في رقي ونهضة البلد.
لكن.. عندما يكون الحديث عن عملها في مستشفى نسائي غير مختلط تصبح الطبيبة أقل كفاءة من الطبيب الرجل، وأقل قدرة ومهنية منه! وتصبح المرأة غير قادرة على الإدارة والقيادة والوظائف التقنية والفنية في المستشفى ولا يمكنها تسيير مستشفى كامل دون رجل!!!
• البلد تتبنى مشاريع بالمليارات، وكثر منها تتعجب من تكلفته الباهضة قياسا به ولاتدري كيف كلّف كل ذلك!! والمشاريع الوهمية والفساد المالي لا يخفى على أحد.
لكن عندما يكون الحديث عن افتتاح مستشفى نسائي فهذا هدر مالي لاداعي له!!
• المرأة السعودية عندما تطالب بقيادة السيارة -في بلدٍ يعاني فيه الرجال من الاختناقات المرورية ورداءة الشوارع وكثرة السيارات ومضايقات بعض الشباب وإزعاجهم للعوائل في السيارات- فهي تطالب بحق معتبر يحل مشاكلها ويصون عرضها ويحفظها من الخلوة بسائق أجني عنها.
لكن عندما تطالب بمستشفى نسائي تجد فيها الراحة والخصوصية والستر بعيدا عن الاختلاط والخلوة كما أمرها ربها فهي متخلفة وتعيش في كوكب آخر والرجل الذي يطلب ذلك شهواني!!!
• بيع (الرجل) مستلزمات المرأة في سوق مفتوح أمر محرج ومخزي ويجب تأنيث المحلات [طبعا نصف التأنيث يكفي، فالبائعة بجوار زميلها الأخويّ!!]
أما كشف (الرجل) على المرأة ولمسه لجسدها والاطلاع على عورتها المغلظة في بعض الحالات شيء طبيعي ومطلوب وغير محرج ولا مخزٍ، ومن يطالب بمستشفى نسائي فهو موسوس وسوداوي وتفكيره مريض وشهواني!!
• توظيف الفتاة كاشيرة وحلابة بقر ونتافة دجاج هو مطلوب؛ لحاجة سوق العمل؛ وتوفير للقمة العيش، أو شغل فراغها بدلا من جلوسها في البيت!
لكن.. توفير وظيفة تناسب تخصص الخريجة، ودخلا يوازي مؤهلها، وبيئة تحفظ كرامتها، في مستشفيات نسائية توفر آلاف الوظائف فهذا طلب أحمق وتكاليف باهضة على وزارة الصحة!!
• للمرأة كمواطنة وكإنسانة الحق في حرية الرأي والتعبير عن وجودها وآمالها وطموحاتها ونقد المجتمع وتقديم البدائل والأفكار، فحرية الرأي مكفولة للجميع.
لكن.. عندما يعبر جمعٌ غفير من النساء عن رفضهن لحال المستشفيات الأخلاقي المتردي، ورغبتهن في وجود مستشفيات نسائية غير مختلطة، هنا تنتهي الحرية! ويبدأ أنصار الحرية المزعومة بمصادرة الرأي والسخرية والتحقير والاستخفاف، ويصبح من كان يدعي الحقوق والحرية بالمس هو من يحاصرها اليوم!!
هل أكمل .. أم أتوقف؟؟
سأتوقف احتراما لعقولكم، وترفعًا بها عن تناقضاتٍ أصدق ما يقال فيها : شر البلية مايضحك!!
والله من وراء القصد
8/2/1434هـ