إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا و ابتغي به وجهه "
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 81 :
و سببه كما رواه # أبو أمامة # رضي الله عنه قال :
" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر و الذكر ماله ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له , فأعادها ثلاث مرات , يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له . ثم قال .... " فذكره .
/ 328 ) .
و الأحاديث بمعناه كثيرة تجدها في أول كتاب " الترغيب " للحافظ المنذري .
فهذا الحديث و غيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز و جل , و في ذلك يقول تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا , و لا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . فإذا كان هذا شأن المؤمن فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله ? الجواب في قول الله تبارك و تعالى : ( و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) .
و على افتراض أن بعض الكفار يقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم , فإن الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم , بل يجازيهم عليها في الدنيا , و بذلك جاء النص الصحيح الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو :
" إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته , يعطى بها ( و في رواية : يثاب عليها الرزق في الدنيا ) و يجزى بها في الآخرة , و أما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا , حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " .
53" إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته يعطى بها ( و في رواية : يثاب عليها الرزق في الدينا ) و يجزى بها في الآخرة و أما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 82 :أخرجه مسلم ( 8 / 135 ) , و أحمد ( 3 / 125 ) , و لتمام في " الفوائد " ( 879 ) الشطر الأول .
تلك هي القاعدة في هذه المسألة : أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعا في الدنيا , فلا تنفعه حسناته في الآخرة , و لا يخفف عنه العذاب بسببها فضلا عن أن ينجو منه .
و قد يظن بعض الناس أن في السنة ما ينافي القاعدة المذكورة من مثل الحديث الآتى :
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب , فقال : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار , يبلغ كعبيه , يغلي منه دماغه " .
54عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب , فقال : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 83 :
عن # أبي سعيد الخدري # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال : فذكره
رواه مسلم ( 1 / 135 ) , و أحمد ( 3 / 50 - 55 ) , و ابن عساكر ( 19 / 51 / 1 ) و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 86 / 2 ) .
و جوابنا على ذلك من وجهين أيضا :
الأول : أننا لا نجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها , إذ ليس فيه أن عمل أبي طالب هو السبب في تخفيف العذاب عنه , بل السبب شفاعته صلى الله عليه وسلم , فهي التي تنفعه . و يؤيد هذا , الحديث التالي :
عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : يا رسول الله , هل نفعت أبا طالب بشيء , فإنه كان يحوطك و يغضب لك ? قال : " نعم , هو في ضحضاح من نار , و لولا أنا ( أي شفاعته ) لكان في الدرك الأسفل من النار " .
55عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : يا رسول الله , هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك و يغضب لك ? قال : " نعم هو في ضحضاح من نار و لولا أنا ( أي شفاعته ) لكان في الدرك الأسفل من النار " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 83 :
( عن # العباس بن عبد المطلب # ) :
رواه مسلم ( 1 / 134 - 135 ) , و أحمد ( 1 / 206 , 207 , 210 ) . و أبو يعلى ( 213 / 2 و 313 / 2 ) , و ابن عساكر ( 19 / 51 / 1 ) و استقصى طرقه و ألفاظه .
فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي عليه السلام , أي شفاعته - كما في الحديث قبله - و ليس هو عمل أبي طالب , فلا تعارض حينئذ بين الحديث و بين القاعدة السابقة , و يعود أمر الحديث أخيرا إلى أنه خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم , و كرامة أكرمه الله تبارك و تعالى بها حيث قبل شفاعته في عمه و قد مات على الشرك , مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال عز و جل :
( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) , و لكن الله تبارك و تعالى يخص بتفضله من شاء , و من أحق بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء ? عليهم جميعا صلوات الله .
و الجواب الثاني : أننا لو سلمنا جدلا أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو انتصاره للنبي صلى الله عليه وسلم مع كفره به , فذلك مستثنى من القاعدة و لايجوز ضربها بهذا الحديث كما هو مقرر في علم أصول الفقه , و لكن الذي نعتمده في الجواب إنما هو الأول لوضوحه . و الله أعلم .