الأخت نادية ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لي مع سؤالك وقفات ، فتحملي قراءتها:
الوقفة الأولى :
أشكر لك مشاعرك الإسلامية .. مشاعر تحكي معنى الحديث الشريف : ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .. ومن ذا الذي سمع بفاطمة ولم تدمع عينه ، إن لم يبق منزويا في زاوية ليمكنه تجاوز سيطرة البكاء المرَّ عليه ، ويختم تأوهاته بدعوات حارَّة لفاطمة بالمغفرة والرحمة ورفعة الدرجة .. نعم قصة محزنة ومبكية بكل ما تعنيه الكلمة ؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل .
الوقفة الثانية :
أختي الكريمة .. جميل جدا أن نعبر عن مشاعرنا تجاه إخواننا المستضعفين في كل مكان في مجالسنا ، ولقاءاتنا ؛ فهذا جزء من إيصال رسالتنا .. وجميل أن نتوقع معارضة بعض الحاضرين قبل أن نقدم على التعبير عن المشاعر ؛ لنتمكن من الجواب العقلي عند ورود شبهة أو طرح فكرة معارضة ؛ فالعواطف وحدها لا تكفي في إقناع الآخرين .. ولا سيما أننا نعيش في زمن غريب .. وصفه أخونا أبو بدر-1 وصفا واضحاً كافياً في بيان المراد ..
الوقفة الثالثة :
ليتك لم تلعني هذا الشخص ؛ ولعلك تعذرين بحسن نيتك ، وصِدْق غضبِك لربك ؛ فالله كريم حليم رحيم .. ولستُ بحاجة للتفصيل في هذه القضية ، فلعلك أدركت ما لو كنت غير غاضبة لما صدر منك .
الوقفة الرابعة :
أختي الفاضلة .. عودي نفسك ، ووطنيها على المواجهة السلمية ، قدر المستطاع .. نعم .. لا تتحسري على الآخرين تحسرا يمنعك من النوم أو يوقف مسيرتك في الحياة .. لا .. لا .. ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) .. بهذا خاطب الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .. بل وقال له في شأن عمه ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .. وقال في موضع آخر ك ( إن عليك إلا البلاغ ) .. في حياة المسلم ، لا توقف من أجل المشاغبين ، لا .. دع القافلة تسير ، فلا يضرها نبح الكلاب ..
ومن هذه الزاوية : لا تشغلك الأعضاء المبتورة إذا لم تتألم لألم الجسد !
الوقفة الخامسة :
تناسي موضوع هذا الشخص ، وفكري في إصلاحه فقط ، لا في الانتقام منه ، وإشفاء النفس من سفهه ، وإلا فقد تتحول الغضبة من أجل الله غضبة للنفس .. وحينها يبدأ العد التنازلي للثواب ، إن لم ينقطع .. أو يتحول إلى وزر لا قدر الله ، فيما إذا تخذ الإنسان طريقاً سلبية في المعالجة .
الوقفة السادسة :
لا شك أنك سمعت بقصة الإفك ؟! أتحداك أن تقرئيها دون أن تدمع عينك ؟
إنها مأساة تتمثل في تهمة مصطنعة ، لفقها المنافقون .. على من ؟ على أطهر بيت ! إنه بيت النبوة ! إي وربي .. ومكثت أمنا عائشة - رضي الله عنها - شهراً وهي لا تعرف أنها قد اتهمت في أشرف ما تملك الحرة ، في عرضها !
أبوها كان يعلم .. أمها كانت تعلم .. أم مصطح لم تتحمل أن صرحت بالخبر لعائشة - رضي الله عنهم أجمعين - .. وعائشة بكل براءة ، توقف أم مصطح بعد أن دعت عليه بقولها : تعس مصطح ! بدفاعها عن مصطح - شأن المسلم الحق الذي لا يقبل سماع الغيبة ؛ ولكن يأتي الخبر الصاعق لعائشة ، من أم مصطح لتبقى ليلالي ، لا نوم يرقأ العين ، ولا دمع يجف .. وحق لها والله !
أبو بكر يتخذ قراراً بقطع المعيشة عن مصطح ! أليست المتهمة قطعة منه ، أليست ابنته ؟ بلى ؛ ولكن الله رفع منزلته ليكون أعلى من هذا المقام ؛ فكان التوجيه الإلهي لأبي بكر :
{وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور22
أتدرين ماذا قال أبو بكر لما نزلت هذه الآية ؟ لقد قال : ( بلى أنا احب أن يغفر الله لي ) وبدأ ينفق على مسطح كما كان .
أرأيت رحمة الله ، حتى فيمن قدح في عرض النبي صلى الله عليه وسلم بسبب تصديقه لوسائل إعلام المنافقين آنذاك .. وتاب الله على من تاب ومنهم مصطح .
أختي الكريمة :
أدعوك لإعادة قراءة قصة الإفك في صحيح مسلم ؛ لتعلمي كيف كان الهدي النبوي في مواجهة المشكلات الصعبة و الخطيرة ..
أعتذر عن عدم مراجعة هذه النقاط لضيق الوقت ، ولعل الله ييسر لي إليها عودة إن لم تكف في المراد
أخوك / عبيد المبين .