الموت، سماه الله: مصيبة، فقال: { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ } .
وقال عنه بعض أهل العلم: «اعلم أن شدة الألم في سكرات لا يعرفها على الحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها إنما يعرفها بالقياس على الآلام التي أدركها، فألم النزع يهجم على الروح نفسها، فيستغرق جميع أجزائها، من كل عرق من العروق، وكل عصب من الأعصاب، وكل مفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة، من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين، فلا تسأل عن كربه وألمه - حتى قالوا-: إن الموت أشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض؛ لأن ألم الضرب بالسيف أو النشر أو غيرهما إنما يؤلم لتعلقه بالروح فكيف إذا كان المجذوب والمنتزع هو الروح نفسها.
وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء القوة في قلبه ولسانه، ولكن المحتضر ينقطع صوته وصياحه وتضعف قوته وتخور قواه؛ لأن الكرب قد بالغ فيه وتصاعد على قلبه بألم شديد حتى غلب على كل موضع من جسده، فهد كل جزء وأضعف كل جارحة، فلم يترك له قوة للاستغاثة.
أما العقل فقد غشيه ألم وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، ويود المحتضر أن لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح وغير ذلك، ولكنه لا يستطيع، فإن بقيت فيه قوة سمعت منه عند نزع الروح وجذبها خوارًا وغرغرة من حلقة وصدره وقد تغير لونه، وانتشر الألم في داخله وخارجه، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعلى جفونه ويتقلص اللسان إلى أصله، وتخضر أنامله فلا تسأل عن جسد يجذب منه كل عرق من عروقه، ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجيًا، فتبرد أولاً قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه، ولكل عضو سكرة بعد سكرة وكربة بعد كربة، حتى يبلغ بها الحلقوم. فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وينغلق دونه باب التوبة (الإحياء للغزالي 4/461).
فيا قابض الروح من نفس إذا احتضرت !!!
ويا غافر الذنب زحزحنى عن النار!!!!