اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين : أن الذنوب حجاب عن الله ، والانصراف عن كل ما يبعد عن الله واجب ، وإنما يتم ذلك بالعلم والندم والعزم ، فإنه متى لم يعلم أن الذنوب أسباب البعد عن الله لم يندم على الذنوب ولم يتوجع بسبب سلوكه طريق البعد ، وإذا لم يتوجع لم يرجع ، والتوبة : الرجوع عن المعصية إلى الطاعة وهي واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين ربه تعالى لا تتعلق بحق آدمي ، فلها ثلاثة شروط :وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة ، وبين ما للتائبين من الكرامة والأجر ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } .
الأول : الإقلاع عن المعصية التي هو متلبس بها ، وعلامته مفارقة الذنب فورا .
الثاني : الندم على فعلها ، وعلامته طول الحزن على ما فات وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « الندم توبة » .
الغفلة عن ذكر الله وما ولاه أشد الأعداء ضررا على الإنسان فإياك أن تغفل عن ذكر الله ولا لحظة .
الثالث : العزم أن لا يعود إلى معصية أبدا ، وعلامته التدارك لما فات وإصلاح ما يأتي ، فإن كان الماضي تفريطا في عبادة قضاها ، أو مظلمة أدها ، أو خطيئة لا توجب غرامة حزن إذ تعاطاها .
فإن فقد أحد الشروط الثلاثة لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي ، فشروطها أربعة : الثلاثة الشروط المذكورة ، والرابع : أن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، إن كان موجودا
أو رد بدله عند تلفه من قيمة أو مثل ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها إن كان عاقلا حليما ، يغلب على الظن أنه إذا جاءه أخوه المسلم نادما تائبا عفا عنه وسامحه ، وإلا فليستغفر له . لما ورد عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول : اللهم اغفر لنا وله » .
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو مال فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أخذ بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئآت صاحبه فحمل عليه » .