وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن العرب هم أكثر من اشتهروا بتفشي ظاهرة الثأر عندهم حتى أصبحت من المقومات سعادة وتقليدا، قال الشيخ سلمان: بل إنني أظن أنها دين عندهم، وعلى سبيل المثال، فإنني أذكر أن امرؤ القيس في أبياته الشهيرة، وكان له ثأر عندما قُتل والده الملك ابن كنده ونذر أن يقتل مائة من بني أسد وأن يجز نواصي مائة، أي أنه يريد أن يقتل مائة بواحد لأنه ملك، وكذلك كان من العادات عند العرب أن الإنسان إذا كان له ثأر لا يشرب الخمر ولا يذبح، وبعضهم يحلق شعره ولا يستمتع بأي لون من ألوان الطعام ويتجنب النساء وغير ذلك حتى يدرك ثأره، وعندما أدرك امرؤ القيس ثأره قال:
حَلَّت لِيَ الخَمرُ وَكُنتُ اِمرًَا عَن شُربِها في شُغُلٍ شاغِلِ
فَاليَومَ أُسقى غَيرَ مُستَحقِبٍ إِثمًا مِنَ اللَهِ وَلا واغِلِ
وأضاف فضيلته: إنه قد يقرأ في نص امرئ القيس بعدًا تقديسيًا أو دينيًا لأنه أقحم كلمة "حَلَّت"، أي: أنها كانت حرامًا، مما يشير إلى أنهم كان عندهم حرام أو تحريم، وكذلك ذكر اسم الله "غَيرَ مُستَحقِبٍ إِثمًا مِنَ اللَهِ"، حيث يرى كأن الله قد عذره أن يشرب الخمر بعد أن حرمها بسبب أنه يريد أن يثأر لوالده المقتول، كما أنني أذكر أيضًا أبيات المهلهل في قصة كليب وجساس:
خُذِ العَهدَ الأَكيدَ عَلَيَّ عُمري بِتَركي كُلَّ ما حَوَتِ الدِيارُ
وَهَجري الغانِياتِ وَشُربَ كَأسٍ وَلُبسي جُبَّةً لا تُستَعارُ
حيث يلبس أيضًا جبة للحرب لا يخلعها
مما يشير إلى أن الثأر عند العرب في الجاهلية كأنه كان دينًا وله طقوس وأنظمة معينة، فالإنسان يثأر من القاتل، فإذا لم يستطع فإنه يثأر من أخيه، فإذا لم يستطع فمن عشيرته؛ ولذلك كانوا يقولون: "الجريرة تدرك العشيرة"، وهذه من آثار الجاهلية، حيث إن الأمر في بعض الأحيان كان لا يتوقف عند شخص معين، بينما جاء في الإسلام قول الله -سبحانه وتعالى-: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم:39،38)، مما يشير إلى أن كل شخص يحمل ذنبه وعيبه، كما أنه في سنن أبي داود حديث صحيح عَنْ أَبِى رِمْثَةَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَبِى فَقَالَ «مَنْ هَذَا مَعَكَ». قَالَ ابْنِى أَشْهَدُ بِهِ. -وكان ابنه يشبه تمامًا في دقة الأوصاف- قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَا إِنَّكَ لاَ تَجْنِى عَلَيْهِ وَلاَ يَجْنِى عَلَيْكَ».
يتبع...