" شادي " شاب في السابعة عشرة من عمره ، من شباب الانتفاضة الثانية ، يرقد في مستشفى الشميسي بالرياض التابع لوزارة الصحة .
أصابه طلق ناري في رقبته من الجهة اليمنى،وخرج من الجهة اليسرى ،يكاد أن يكون مشلولا شللا تاما ، غير أن يده اليسرى تتحرك قليلا .
والزوار محتشدون حوله ، اتصلت به والدته من فلسطين لتطمئن عليه ، فتكلم بصعوبة ليقول : شلل كامل ، غير أن اليسرى تتحرك شيئا ما .. زغردت الوالدة بنشوة صادقة لتقول : تكفي اليسرى لحمل الحجر ، نحن لا نريدك لشيء آخر غير هذا !
إن من سوء حظ اليهود أن يساكنوا هؤلاء القوم الجبارين ، الذين اشتكى أجدادهم من أجدادهم ، لقد قاتلوهم ثم قاتلوهم ، ثم قالوا : لو لم يبقى إلا الحجر والتراب لواجهناكم به !ولعلهم سلسلة في حلقة البعث الموعود من أولي البأس الشديد المسلطين على اليهود .
لقد تشبع الحجر برمزية تاريخية وشرعية واقعية تدعو إلى التأمل !
فهاهو القرآن يعيب على اليهود قسوة قلوبهم فيشبهها بالحجارة ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ..) .
وفي قلوب البشر ما هو أقسى من الحجر ، وكيف لا ..وهم يطلقون الرصاص الحي على صبية صغار ، أو نساء أو شباب عزل ، ويتقصدون الإصابة في الرأس، أو الصدر ، أو العنق ..
بلي الجديد ، ومســنا القرح فمتى تفيق أخي .. متى تصحو؟
واااا لوعتاه ..كم انقضت حقب وامتد ليل ما له صبــــــــــــح !!
وبغى وحوش ليس يردعهم خلق ، ولا دين ، ولا نـــصـــح !
وإن كان في الحجارة شيء من نداوة ، أو مسارب يتخللها الماء .. ليتفجر بعد أنهارا أو عيونا .. فهيهات أن يكون في قلوب هؤلاء القساة سبيل إلى شفقة أو رحمة أو لين .
وحين احتدمت عداوة اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهموا بقتله ، كانت أفضل وسيلة لديهم هي إلقاء الحجر عليه من عالي البناء ..فنجاه الله ، وباءوا بإثم الغدر والخيانة والفساد , وهاهم المسلمون ينتقمون لنبيهم بالآلة نفسها , لكن في وضح النهار , بعيداً عن الغدر والمكر والنكث .
ومما يستطرف أن أبرز حالة رجم في الإسلام كانت رجم اليهوديين الزانين على ما هو موجود في الكتاب المقدس ، فنفذ الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم حكم الله الذي أماتوه .
ثم انقطعت العلاقة المباشرة بين اليهود والحجر ، لتبرز في المعركة الخاتمة ، حين ينادى الشجر والحجر : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله .
وهاهو الحجر يعلن حلفه مع المسلمين ضد قساة القلوب من اليهود ، ليعيد إلى الأذهان تلك النبوة الصادقة والأكيدة .
ونحن أمام عدوان على المقدسات كعدوان أصحاب الفيل ، عدوان يترس بقوة متغطرسة ليس أمامها ما يكافؤها ، ولهؤلاء ، كما لأولئك أن يجعل كيدهم في تضليل ، وطير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل .
وعلى الإجمال فبراءة الاختراع لهذا السلاح الفعال هي مسجلة خصيصا للمسلمين وبالذات للفلسطينيين.!
إن النصوص التي بيننا تدل على أن حلم التوسع الجغرافي لليهود بعيد المنال ، فالمعركة معهم – وفق نصوص السنة – هي بالشام ، ببيت المقدس ، وأكناف بيت المقدس ، وتحديدا ثمة معركة على نهر الأردن ، أنتم شرقيه وهم غربيه ، ولم يكن يدري الراوي ، أين الأردنّ يومئذ !
" ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ".
فالشام عقر دار الإسلام ، وبيت المقدس بإذن الله باق للمسلمين، وإن كان لليهود فيه ، أو في غيره جولة ، فللمسلمين جولات ظافرة منصورة .
حتى الدجال الذي ينتظره اليهود يظهر على الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس ( ابن شيبة ، وأحمد ، والطبراني ، وسنده جيد )
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن خراب مكة , والمدينة , ولم يخبر عن خراب المقدس ، حيث الحلقة الأخيرة من حلقات الصراع مع اليهود .
والمعركة إسلامية ، وقودها الشباب المسلم الصابر ، الذي ليس له انتماء إلا دينه وقرآنه ، وشعارها الإسلام – وليس غيره – فالحجر أعلن تحالفه مع المسلم ، لإسلامه ، لا لقوميته ، ولا جنسه ، ولا عنصره .
وهاهم حاخامات اليهود يفاجئون العالم بتصريحاتهم العنصرية ضد الإسلام فالحاخام يوسف زعيم حركة شاس ، ثالث تجمع سياسي في إسرائيل ، والمشاركة في غالب الحكومات يصف العرب والمسلمين بأنهم كالأفاعي.
و الحاخام إبرا هام شابير الذي كان الحاخام الأكبر في إسرائيل ، يقول : نريد شبابا يهوديا يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين ..يجب أن نتخلص منهم كما نتخلص من الجراثيم والميكروبات.
أما الحاخام الأكبر لإسرائيل سابقا ، مردخاي الياهو ، فإنه يقول مخاطبا مجموعة على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلي : القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد ، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته .. كيف يمكن تحقيق السلام في وقت يقدس العرب والمسلمون فيه كتابا يتحدث عنا بكل هذه السلبية .. على حكام العرب أن يختاروا : إما القرآن أو السلام !
أما إسحاق بيريتس فيقول في موعظة دينية : إذا استمر ارتفاع الأذان الذي يدعو المسلمين إلى الصلاة في كل يوم خمس مرات ، في القاهرة وعمان والرباط ، فلا تتحدثوا عن السلام . (البلاد 30 رجب 1421هـ)
نعم، في اليهود أصوليين ، ومتطرفون ، وعلمانيون ، كما في العرب وسائر الشعوب ، ولكن الشأن الوحيد الذي يلتفت حوله اليهود هو التوراة ، والمعنى الديني والانتماء العرقي ، كما أن النداء الوحيد الذي تتجاوب معه الرقعة العربية والإسلامية هو نداء الإسلام والجهاد .
وهذه الانتفاضة خير مصداق ، فالأيدي التي ترشق اليهود بالحجارة هي الأيدي المتوضئة .
والحناجر التي تهتف بالملايين من اليمن إلى المغرب ، إلى مصر ، إلى الأردن ، إلى بلاد المهجر ..
إنما تهتف لشعب يمثلها وينوب عنها ،لتقول إن القضية لا تموت ،وإن ركام السنين المتطاولة ينقشع في لحظة ، وهذا لا يعارض أن هذه الانتفاضة الشاملة وأصداءها هو تفريغ لاحتقان تعيشه الأمة بسبب أزماتها المتفاقمة .
فالشعب الفلسطيني مارس حقه ، وعرف في هذا العمل طريقه ، فلم يعد يستأجر لقضايا أجنبية عن وجدانه ، ولا يعمل لحساب هذا أو ذاك ، بل لحساب مستقبله وأمته ومقدساته ، وهو بحاجة يقينا إلى مزيد من هذه المعرفة التي تؤصل إسلامية المعركة ، وتنفي أي خيار آخر .
والمسلمون في كل أرض يتلاحمون مع إخوانهم في الأرض المباركة ليذوب الجليد بين المسلم وأخيه ، ولتختفي المناكفات والمعاتبات والتقاطعات القديمة ، والتي عمقتها حرب الخليج الثانية ، ليلتف الجميع حول قضية واحدة ، وفي مواجهة عدو مشترك ، وهذا كسب لا يستهان به
فلنبن عليه قرارا بالدعم المتواصل للانتفاضة ، وإصرارا على استمرارها.
ولنبن عليه حسن استضافة للأخوة الفلسطينيين المقيمين في أي أرض إسلامية ، بما في ذلك توفير فرص العمل والدراسة والعيش الكريم .
ولنبن عليه اهتماما بالفلسطينيين في جميع البلاد العربية والإسلامية ، وخصوصا التجمعات والمخيمات في الأردن ، وسوريا ، ولبنان ، والضفة ، تربيةً وتعليماً ، وإعداداً ودعوة .
ولنبن عليه دعم الفلسطينيين داخل إسرائيل ، والتواصل معهم ، فهي ورقة مهمة يمكن أن تؤدي دورا لا يُستهان به .
بل وأكثر من ذلك يمكن العمل على استثمار التناقضات القائمة في المجتمع اليهودي ، كما يستغلون هم التناقضات القائمة بيننا ، ولقد ذكر الله تعالى أن قلوبهم شتى ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ).
وهذا يقودنا إلى شأن آخر حول وسائل مواجهة المكر اليهودي ، ودعم الانتفاضة الفلسطينية .
منقول.....