الرقيب
ورد هذا الاسم في القرآن ثلاث مرات في سورة المائدةفي قوله تعالى مخاطبا عيسى عليه السلام يوم القيامة في مشهد عظيم وموقفجسيم((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَلِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَسُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْكُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَاأَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُلَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّيوَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّاتَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّشَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْلَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ((
فمن هم الناجون في ذلك اليوم.
اسمعوا رعاكم الله
لنينجوا إلا اهل الصدق والإخلاص((قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُالصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواعَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (119) للهِ مُلْكُ السَّمَوَتِوَالاَْرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ((
وجاءذكر الرقيب في قوله تعالى في آية من سورة النساء(يَا أَيُّهَا النَّاسُاتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَمِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءًوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّاللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقِيباً(
قال ابن جرير في قوله (إِنَّاللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقِيباً ً)يعني ان الله لم يزل عليكم رقيباًحفيظاً محصاًً عليكم أعمالكم ومتفقداً احوالكم.
وجاء ذكر الرقيب في سورة الأحزاب في قوله جلّ في علاه(وكان الله على كل شئ رقيبا(
قال الزجاج:
الرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عن ما يحفظه(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(
وقال الحليمي:-
الرقيب هو الذي لا يغفل عن ما خلق
وفي نونية ابن القيم:
هو الرقيب على الخواطر واللواحظ***كيف بالأفعال والأركان
قال السعدي:-
الرقيب:المطلع على ما أكنته الصدور القائم على كل نفس بما كسبت
الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نضام وأكمل تدبير فهو سبحانه رقيب على الأشياء بعلمه الذي وسع كل شئ.
)رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا(
وهو رقيب على الأشياء ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم
وهو رقيب على الأشياء بسمعه المدرك لكل حركة وكلام.
فأين أثر هذا في حياتنا؟
إنه يسمع ويرى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
أين أثر هذا في تصرفاتنا, في معاملاتنا, في عباداتنا.
جاءفي السير بعد معركة بدر وبعد أن عادت قريش تجر أذيال الهزيمة وبعد أن تلقتالدرس من معسكر الإيمان قعد صفوان ابن أمية وعمير ابن وهب في الحجر فأخذايتذاكران أصحاب القليب وكان صفوان ابن أمية قد قُتل أبوة وأخوه يوم بدرفقال عمير لصفوان لولا صبية صغار لا أحد يرعاهم بعدي وديون ركبتني لذهبتإلى المدينة وقتلت محمداً
فقال صفوان:
دينك عليّ وأنا أرعى صغارك على أن تقتل محمداً
فاتفقا
ولا ثالث معهما إلا الله.
الله الذي يعلم السر وأخفى.
وصل عمير إلى المدينة متظاهرا بأنه جاء لدفع الفداء عن ابنه (وهب)الذي كان اسيراًعند المسلمين
فرآه عمر رضي الله عنه فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد وقال:-
يا رسول الله هذا عدو الله عمير جاء متوشحاً سيفه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم((أدخلوه علىّ((
فجاء به عمر وقد أخذ بتلابيبه فأوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال(أغسله يا عمر(
ثم قال(أدنوا يا عمير)
فدنا ثم قال:- أنعم صباحاً يامحمد.
وكانت هذه تحية الجاهلية
فقالالنبي صلى الله عليه وسلم((قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عميرأكرمنا بالسلام تحية أهل الجنة تحيتهم يوم يلقونه سلام)) ثم قال له النبيصلى الله عليه وسلم((ما جاء بك يا عمير((
فقال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه.
قال((فما بال السيف في عنقك((
قال((قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئ يوم بدر((
قال((اصدقني يا عمير مالذي جئت من اجله))
قال((ما جئت إلا لذاك((
قال((اسمعبل قعدت انت وصفوان ابن امية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب ثم قلت أنتلولا دين علىّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمّل لك صفوان ابن اميةبالدين ورعاية العيال على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك((
فقالعمير((أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به منخبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوانوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله وانا أشهد ان لاإله إلا الله وأنكرسول الله0فالحمدلله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم((فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره((
اللهأكبر ولا إله إلا الله0تدبر في قوله جل ّفي علاه((يَسْتَخْفُونَ مِنَالنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْيُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَايَعْمَلُونَ مُحِيطًا((
اين أثر هذه الآيات في حياتنا!
بل أين أثرقوله جل ّفي علاه((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِيأَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ((
إذا ماخلوت الدهر يوماً***فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة***ولا ان مايخفى عليه يغيب
ألم ترى أن اليوم أسرع ذاهبٍ***وأن غداً للناظرين قريب
قال ابن كثير:-
إن عميراً هذا بعد أن هداه الله للإسلام استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في العودة إلى مكة ليكون داعيةً إلى الإسلام.
فقال:-يارسول الله إني كنت جاهداً على إخفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دينالله وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلىالإسلام لعل الله أن يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك فيدينهم.
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم.
فلحق بمكة وكان صفوانيتوقع وصوله بين آونة وأُخرى فكان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكبٌ قبلعمير فأخبر صفوان عن إسلامه فغضب غضباً شديداً وحلف أن لا يكلمه ابداً ولاينفعه ابداً
قال ابن إسحاق:-
فلما قدم عمير مكة وكان شجاعا مهيبا جاهر اهل مكة بإسلامه ولم يجرؤا على التعرض له.
واخذ يدعوا إلى الإسلام.
اسألك بالله من أين اتت هذه الشجاعه.
لمادخل موسى وهارون على فرعون((قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنيَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى(45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِيمَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46(((
فأخذ صفوان يدعوا إلى الإسلام ويؤذي من خالفه اذا شديداً فأسلم على يديه خلق كثير.
لكن قل لي وقولي لي:- كيف ألم عمير!
اسلم يوم استشعر عظمة الله ورقابة الله وإحاطة الله بكل شئ
فهلاّاستشعرنا ذلك واستشعرنا قوله تعالى((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَيَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَاتَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِالأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59(((
))لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء((
ومن اسمائه جلّ في علاه:-
الحفيظ:وهوالذي حفظ خلقه وأحاط علمه بما أوجده وحفظ أولياؤه من وقوعهم في الذنوبوالهلكات ولطف بهم في الحركات والسكنات وأحصى على العباد أعمالهم وجزاؤهم
هل تعرف معنى(احفظ الله يحفظك(
معناها:
احفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه
وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بلإمتثال وعند نواهيه بلإجتناب وعند حدوده فلا نتجاوزها
المعنى: فعل الواجبات جميعا وترك المحرمات جميعا.
وقدمدح الله عباده الذين يحفظون حدوده فقال في معرض بيانه لصفات المؤمنينالذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فقال منصفاتهم((لتَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَالرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَعَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ((
نعم بشرهم إذا حفظوا أوامره وحدوده حفظهم في دينهم ودنياهم وفي أولاهم وأخراهم.
ومن أعظم ما يجب على العباد حفظه من حقوق الله هو التوحيد.
وهو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً.
روى البخاري من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( يا معاذ ابن جبل
قال:لبيك,لبيك يارسول الله وسعديك.
قال:هل تدري ماحق الله على العباد.
قال:قلت الله ورسوله أعلم.
قال:فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
ثم سار ساعة ثم قال( يا معاذ ابن جبل
قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك.
قال: هل تدري ماحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك.
قال: قلت الله ورسوله أعلم.
قال: إن فعلوا ذلك حقهم عليه أن لا يعذبهم((
فهذا هو حق العظيم الذي أمر الله سبحانه عباده أن يحفظوه ويراعوه.
ومنأجل حفظه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وكان الله وكان الله رقيبا علىالجميع ليعلم أن قد بلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عدداً.
فمنحفظ توحيده في الدنيا حفظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة وسلّمه وأمنّهوكان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ويجيره من النار وإن عُذب بسببذنوبه إن لم يتب منها فإنه ايظاً محفوظ بتوحيده من الخلود في النار معالكفار الذين ضيعوا هذا الحق العظيم .
ومن أعظم ماأمر الله بحفظه من الواجبات الصلاة الصلاة وما أدراك ما الصلاة .
قال سبحانه(حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)
وقال(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
فمن حافظ على الصلوات وحفظ أركانها حفظه الله من نقمه وعذابه وكانت له نجاة يوم القيامة
قال صلى الله عليه وسلم(إكلفوا من العمل ماتطيقون واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة(
قالابن القيم رحمه الله(والصلاة مجلبة للرزق,حافظة للصحة, دافعة للأذى,مطردةللأدواء’مقوية للقلب , مبيضة للوجه, مفرحة للنفس,مذهبة للكسل,منشطةللجوارح,ممدة للقوة, شارحة للصدر, مغذية للروح,منورة للقلب,حافظةللنعمة,جالبة للبركة, مبعدة من الشيطان,مقربة من الرحمن.
وللصلاة تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب قواهما ودفع المواد الرديئة عنهما وماابتلى رجلان
بعاهة أو داء أو محنة أو بلية ألا كان المصلي منهما أقل وعاقبته اسلم.
وللصلاةتأثير عجيب في دفع شرور الدنيا لاسيما اذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراًوباطناً0فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة
وسر ذلك:
أن الصلاة صلة بالله عز وجل وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها وتقطع عنه من الشرور أسبابها.
تأمل في قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل((ياابن آدم اركع لي من اول النهار أربع ركعات أكفيك آخره((
ومن حفظ الله للمصلين ان صلاتهم تنهاهم عن الفحشاء والمنكر.
امامن ضيعها فقد توعده الله بالهلاك والشر العظيم قال سبحانه(فَخَلَفَ مِنبَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِفَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً(
فكيف هي صلاتنا
هل حفظناها
هل راقبنا الله فيها
هل تدبرنا قوله تعالى((الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين((
وصلى الله على نبينا محمد