بســـــــــــــــم ألله ألرحمن الرحـــــــــــــــيم
البساطة في الدعوة وعدم التكلف
دعوة الأنبياء عليهم السلام ربانية
وضوح الهدف والغاية من دعوة الأنبياء عليهم السلام
دعوة الأنبياء عليهم السلام خالصة لله تعالى
الزهد في الدنيا وإيثار الآخرة على الحياة الدنيا
تصحيح العقيدة وإخلاص الدين لله وإفراد العبادة لله جلَّ وعزَّ
أ- المزية الأولى: دعوة الأنبياء عليهم السلام ربانية:
إن أوّل وأهم ما يمتاز به الأنبياء عليهم السلام العقيدة التي يدعون إليها، ودعوتهم التي يقومون بها، فهي لا تنبع من ذكائهم أو حميتهم أو تألمهم من الواقع المزري الذي يعيشون فيه، أو من شعورهم الحساس، وقلبهم الرقيق الفياض أو تجاربهم الواسعة الحكيمة، إنما مصدره الوحي والرسالة التي يصطفون لها، ويكرمون بها .. فلا يقاسون أبداً على الحكماء أو الزعماء أو المصلحين وجميع أصناف القادة الذين جربتهم البشرية، والذين هم نتيجة بيئتهم وغرس حكمتهم، وصدى محيطهم ورد فعل لما كان يجيش به مجتمعهم من فساد وفوضى، وقد بيَّن القرآن الكريم ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
ويقول القرآن الكريم عن طبيعة الرسالة التي يختار لها الرسل وعن مبدئها ومصدرها: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2].
لذلك لا يخضع الرسول لعوامل نفسية داخلية، أو حوادث وقتية خارجية ولا يدير رسالته حيث دارت الأحوال والأوضاع وشاء المجتمع، وقد قال الله تعالى عن رسوله الكريم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4].
والنبي لا يستطيع أن يحدث تغييراً أو تبديلاً أو تحويراً أو تعديلاً في أحكام الله وأوامره وقد قال الله تعالى لرسوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15].
وهذه هي السمة الفاصلة الأساسية المميزة بين الأنبياء صلوات الله عليهم وبين القادة والزعماء الذين تكون رسالتهم وكفاحهم نتاج بيئتهم وثقافتهم ومشاعرهم، والذين يلاحظون دائماً البيئة والمجتمع والظروف والأحوال ويراعون مصالحهم ومنافعهم.
فدعوة الأنبياء ربانية أي بوحي وتكليف من الله عزّ وجل، فليست هي نابعة من نفوسهم وليست نتيجة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تكون في عصرهم وإنما هي اتباع لوحي من الله سبحانه وتعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ}
ب- المزية الثانية: دعوة الأنبياء خالصة لله تعالى:
إن عنصر التجرد عن الغرض الشخصي في دعوة الأنبياء عليهم السلام من أهم المزايا المؤثرة التي تجعل المنصفين يستجيبون لها ويتأثرون بكلام الأنبياء عليهم السلام ونصحهم وتوجيههم.
فالأنبياء عليهم السلام لا يطلبون أجراً من أحد، ولا يقبلون على تبليغ الرسالة ثمناً من أي شخص إنما يطلبون الأجر والثواب من الله الذي فطرهم وخلقهم ومنَّ عليهم.
وكان شعارهم وإعلانهم وقرارهم بكل وضوح وجلاء وعلانية أن دعوتهم لم تكن من أجل الدنيا أو المال أو المنصب أو الجاه إنما هي لله خالصة، لا يبتغون من غير الله أجراً، فهم في دعوتهم لا يطلبون ثناء ولا مديحاً إنما يقصدون ثواب الآخرة ورضاء الله تبارك وتعالى.
وانظر إلى خطابهم لقومهم في القرآن الكريم {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]. {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ} [هود: 51]. {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} [الفرقان: 57].
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 109- 127-145-164-180]. {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72].
ج- المزية الثالثة: تصحيح العقيدة وإخلاص الدين لله وإفراد العبادة لله جلَّ وعزّ:
إن الأنبياء عليهم السلام كان أول هدفهم وأول دعوتهم في كل زمان، وفي كل مكان، وفي كلِّ بيئة هو تصحيح العقيدة في الله سبحانه وتعالى، وتصحيح الصلة بين العبد وربه والدعوة إلى إخلاص الدين وإفراد العبادة لله وحده، وأنه هو النافع والضار المستحق وحده للعبادة والدعاء والالتجاء والتنسك(1).
وكانت حملتهم مركزة وموجهة إلى الوثنية القائمة في عصورهم، الممثلة بصورة واضحة في عبادة الأوثان والأصنام، والصالحين والمقدسين من الأحياء والأموات الذي كان يعتقد أهل الجاهلية أن الله قد خلع عليهم لباس الشرف، وجعلهم متصرفين في الأمور. فلذا أرسل الله جميع الرسل بهذه الدعوة الكريمة وهي دعوة التوحيد وإخلاص النية والعمل له تعالى عن طريق إفراده بالعبادة.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
د- المزية الرابعة : البساطة في الدعوة وعدم التكلف:
إن التعقيد والتكلف بعيدان عن منهج الأنبياء عليهم السلام، والبساطة مزية واضحة في دعوة جميع الأنبياء، فهم يسيرون على منهج الفطرة ويخاطبون الناس على قدر عقولهم، فلا يتكلفون ولا يتشدقون بخطاباتهم ولا يتصنعون، والقرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة. {وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86].
_________________
(1) النسك : العبادة.
وقال عليه الصلاة والسلام في ذلك: "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم".
فالأسلوب الفطري الذي اتبعه الأنبياء هو أنجح أسلوب لأنه بعيد عن الأساليب الصناعية والمناهج الكلامية والأمور العويصة.
ومن تأمل الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية يجدها لا تشفي العليل ولا تروي الغليل.
وأقرب طريق إلى الحقيقة وخير طريق هو القرآن الكريم، أن أدلته كالماء الذي ينتفع به الصبي والرضيع والرجل القوي والرجل الضعيف، وسائر الأدلة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مّرة ويمرضون بها أخرى، ولا ينتفع بها الصبيان أصلاً.
وأسلوب القرآن خالٍ من التعقيد والتكلف، وكان الله تعالى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى أفضل أسلوب وأنجح طريق: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
هـ- المزية الخامسة: وضوح الهدف والغاية في دعوة الأنبياء عليهم السلام:
إن الأنبياء عليهم السلام دعوا الناس إلى رسالة ربانية ذات هدف واضح وغاية نبيلة، وهم في دعوتهم لا يسلكون الطرق الملتوية والأساليب الاحتيالية التي تخفي وراءها الهدف والغرض من تلك الدعوة كما هو الحال عند بعض الساسة أو القادة أو الزعماء الذين لا يوضحون قصدهم ولا غرضهم ولا هدفهم حيث يبقى غامضاً، أما الأنبياء فدعوتهم لا غموض فيها ولا لبس.
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
وقال عليه الصلاة والسلام: "تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك".
و - المزية السادسة: الزهد في الدنيا وإيثار الآخرة على الحياة الدنيا:
دعوة الرسل إلى الآخرة وإيثارها على الدنيا، والاستهانة بقيمتها ومتاعها، لم تكن دعوة باللسان فقط، بل كان ذلك مبدأ ومنهاجاً لحياتهم، فكانوا زاهدين في الدنيا، مقبلين على الآخرة، قد زهدوا في المناصب الكبيرة والمراكز الخطيرة، وضحوا بها في سبيل دعوتهم.
وحياة النبي صلى الله عليه وسلم ومعيشته وحياة أهل بيته معروفة في التاريخ والسيرة النبوية، فهي تثير العجب، وتسحر النفوس، وتملأ القلوب عظمة ومهابة وتنصب للدعاة والسائرين على منهاج النبوة مناراً عالياً من نور.
وكان الشعار الدائم لمعيشة الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة".
والزهد مزية ملازمة لدعوة الأنبياء عليهم السلام، فليس غرضهم الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا وزخرفتها، فكان الأنبياء عليهم السلام يعيشون في شظف من العيش وفي شدة الضيق، مع أنهم كانوا قادرين أن يتنعموا في الدنيا وان يتلذذوا بها وأن يعيشوا فيها عيشة الأغنياء والزعماء، ولكنهم آثروا الحياة الآخرة الباقية على الحياة الدنيا الفانية {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60] {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ للأبرار} [آل عمران: 198].
وكان الله سبحانه وتعالى يعلِّم نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى عدم الافتتان بالحياة الدنيا فيقول: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
وحين طلب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يوسع ويزيد عليهن في النفقة، ويعاملهن كبقية النساء اللواتي يعشن في رغد من الدنيا وفي بحبوحة من النعيم، خُيِّرن بين البقاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم على الحالة المعهودة أو الفراق بينه وبينهن.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28-29]