رسالة الشيخ الغديان - رحمه الله - في كيفية فهم القرآن
د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
قبل أن أبدأ بذكر رسالة الشيخ - غفر الله له - التي أملاها عليَّ في مكتبه بدار الإفتاء، أذكر موقفاً مؤثراً لتوقير الشيخ عبدالله لأحد مشايخه فمرة حضر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز صلاة المغرب في مسجد الإفتاء وإمام المسجد هو الإمام عبدالله بن غديان - رحمهما الله -
.. فلما صلى الشيخ عبدالله بالناس استبق الباب قبل وصول سماحة الشيخ ابن باز إليه وأخذ نعال الشيخ ابن باز وضرب بعضها ببعض ليذهب الغبار الذي عليها ثم قام بنفخها ثم وضعها أمام قدمي الشيخ ابن باز - غفر الله لهما -.
تواضع يسقط معه التصنع، وتوقير يظهر فيه الكبار.
وموقف آخر من محطات الشيخ عبدالله - أسبغ الله عليه الرحمة - حيث ألقى محاضرة في إحدى المدن وكانت بعد وفاة العلامة ابن باز، فلما جاء في آخر المحاضرة قام الشيخ بالدعاء ومما قاله: اللهم ألحقنا بالصالحين ثم توقف الشيخ عن الكلام وبكى بكاء مراً.
رأيت الشيخ - لا أحصي - يقرأ في الماء الذين يأتي به الناس إليه فكم رأيته وهو يحمل جالون الماء الذي سعته 10 لترات فيدخله إلى بيته لينفث فيه، تأمل في حاله شيخ تجاوز الثمانين سنة من عمره يحمل هذا الجالون الثقيل ليقرأ فيه ثم يخرج لصاحبه بنفسه.
ومن عجائب الشيخ - رحمه الله - كثرة صلاته قلت له مرة: أراك تصلي بعد الظهر في المسجد أربع ركعات ثم تصلي في مكتبك ركعات كثيرة؟ فقال: هذه بيني وبين الله.
ذهبت إلى الشيخ في مكتبه فقال: هل تعرف كتاباً كتب عن مسألة الأحرف السبعة؟ فقلت: نعم، فقال: تعال وأخذ بيدي وذهبنا إلى المكتبة التي بالإفتاء خلف مكتبه فجعل الشيخ يبحث عن الكتاب وعن كتاب آخر للسيوطي فأخذ الكتاب معه إلى مكتبه، وقال: لابد أن أراجع المسألة وأنظر فيما قاله أهل العلم، فعجبت على ما حواه الشيخ من علم غزير يظهر افتقاره للبحث على كبر قدره وسنه وغزارة علمه ويأخذ بيدي، فهل يوجد درس عملي في تلقي العلم كهذا.
أملى عليَّ الشيخ - غفر الله له - الطريقة التي يفهم بها القرآن في مكتبه بدار الإفتاء في يوم الأحد 18-10-1426هـ وإنما كتبت التاريخ لأن هذا الأمر ليس من عادة الشيخ أن يسمح أن يكتب عنه بل كان ينهى عن ذلك ولا يريد أن ينسب إليه شيء، وها أنا أنشرها وثوابها لشيخنا - غفر الله له -.
الطريقة المثلى لفهم القرآن وحفظه
1- تحديد آيات القرآن بحسب موضوعها؛ فمثلاً الآيات الأولى من سورة البقرة تحدثت عن أصناف ثلاثة صنف المؤمنين ثم صنف الكافرين ثم صنف المنافقين، فمعرفة موضوع هذه الآيات وتحديدها وأين تنتهي مما يعين على فهم القرآن وحفظه، وتفسير ابن كثير في غالب أحواله يسير على هذا.
2- معرفة المفردات الواردة في الآيات وذلك بالرجوع إلى الكتب المكتوبة في هذا الفن وأشهرها كتاب مفردات القرآن للراغب الأصفهاني.
3- معرفة تصريف الكلمة في أصلها وإدراك هذا الفن بالرجوع إلى كتب الصرف ككتاب شذى العرف في معرفة الصرف، ومن الكتب التفسيرية المهتمة بهذا كتاب ابن عاشور المسمى التحرير والتنوير.
4- اشتقاق الكلمة ومعرفة ذلك مما يعين على فهم المراد منها، وهذا في تفسير التحرير والتنوير أوضح من غيره وكذا كتاب البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.
5- العلم بإعراب كلمات القرآن وذلك بالرجوع إلى الكتب التي تناولت الموضوع ومنها: معرب القرآن.
6- البلاغة القرآنية الواردة في الآيات والنظر في الكتب المهتمة بذلك كتفسير الكشاف للزمخشري - مع الحذر من اعتزالياته - وكذا تفسير أبي السعود العمادي إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم.
7- معرفة سبب نزول الآيات والسور، فهذا معين جداً على فهم المراد من الآيات وأوسع كتاب في ذلك هو لباب النقول في معرفة أسباب النزول، وكذلك كتاب أسباب النزول للواحدي.
8- معرفة الناسخ والمنسوخ وممن توسع في الكتابة عنه ابن النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ.
9- متشابه الآيات لفظاً، وضبط ذلك، وقد كتب فيها كثيراً ومنها الدليل إلى متشابه الآيات.
10- متشابه القرآن معنى، وفيه كتاب مطبوع اسمه (درة التنزيل وغرة التأويل).
11- معرفة معاني الجمل القرآنية على حسب علامات الوقف، وأحسن من تكلم فيه الطبري في تفسيره.
12- المعنى العام للآيات وأكثر كتب التفسير تناولت ذلك ومن الكتب المعاصرة كتاب تيسير الكريم الرحمن للسعدي.
13- معرفة الأحكام الواردة في الآيات، ككتاب أحكام القرآن لابن العربي وهو مختصر مفيد، وأوسع منه كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
14- الآيات التي ظاهرها التعارض أو ما يسمى بمشكل القرآن، وأفضل من تكلم عن ذلك الشنقيطي في كتابه أضواء البيان، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، ومن الكتب في ذلك تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
15- المناسبات بين السور وبين الآيات وأجمع كتاب في ذلك كتاب نظم الدرر في المناسبات بين الآيات والسور لبرهان الدين البقاعي.
16- تفسير القرآن على القواعد الأصولية، وقد ألف في ذلك الطوفي كتاباً أسماه (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية).
وقد سلمت صورة من هذه للشيخ بعد كتابتي لها - غفر الله له - وجمعنا ووالدينا به في الفردوس الأعلى.
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
نقلاً عن صحيفة الجزيرة يوم الاثنين 2 / 7 / 1431هـ - العدد 13773