بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد حث القرآن الكريم في آيات كثيرة على الحوار الهادف البناء مع غير المسلمين خاصة أهل الكتاب لبيان الحق وإزالة الإبهام والغموض حول القضايا المختلفة فيها.
قال تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلىكلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاأربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (آل عمران/٦٤).
فهذه الآية الكريمة ونظائرها تشكل الأصول التي يمكن تأسيس الحوار عليها للوصول الىالحق، ومن يتدبر الآيات القرآنية المتعلقة بالحوار يجد بكل وضوح ان القرآن الكريم قد وضع ضوابط وأسسا وأخلاقي اتو آليات تؤدي الى نجاح الحوار منها: اخلاص النية لله تعالى وهي لب الأمر وأساسه، وان يكون الهدف هو الوصول الى الحقيقة، متبعا في ذلك قاعدة: قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب .
عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن حيث ماوجد المؤمن ضالته فليجمعها إليه).
كماانها ضالة كل عاقل، فيلزم من الحوار إن يكون حسن المقصد ليس المقصود منه الانتصارللنفس انما يكون المقصود منه الوصول الى الحق أو الدعوة الى الله ؟ عزوجل.
كان الامام الشافعي رحمه الله يقول: (ما ناظرت أحدا الا وددت ان الله تعالى أجرى الحق على لسانه) وفهم نفسية الطرف الآخر ومعرفة مستواه العلمي، وقدراته الفكرية سواء كان فردا أو جماعة، ليخاطبهم بحسب ما يفهمون، وحسن الخطاب وعدم استفزاز و ازدراء الغير، فالحوار غير الجدال، واحترام آراء الآخرين أمر مطلوب، ولنا في حوار الأنبياء مع أقوامهم أسوة حسنة، فموسى وهارون أمرا أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى.
وفي سورة (سبأ) يسوق الله لنا اسلوبا لمخاطبة غير المسلمين حيث يقول في معرض الحوار (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) وحسن الاستماع لأقوال الطرف الآخر، وتفهمها فهما صحيحا وعدم مقاطعة المتكلم، او الاعتراض عليه اثناء حديثه والرجوع عن الخطأ والاعتراف به، فالرجوع الى الحق فضيلة، وان يكون الكلام في حدود الموضوع المطروح، وعدم الدخول في موضوعات اخرى، والبعد عن التطاول ورفع الصوت والفحش في الكلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: ( ليس المؤمن باللعان ولابالطعان ولا الفاحش ولا البذيء).
وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو إن العاص رضي الله عه انه قال: ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ومتفحشا وكان يقول: إن من خياركم احسنكم أخلاقا).
اذن فالحوار الايجابي الصحي هو الحوار الموضوعي الذي يرى الايجابيات والسلبيات في ذات الوقت، ويرى العقبات ويضع الحلول لها، هو حوار صادق وواضح وهو الحوار المتكافئ الذي يعطي لكلا الطرفين فرصة التعبير عن الرأي والابداع الحقيقي ويحترم الرأي الآخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله وان يدلي برأيه وحجته بكل رفق وسكينة ووقار وان يختار لمطلبه الالفاظ الواضحة والعبارات الجميلة، وان يجتنب الاساليب الملتوية، والخروج عن البحث، بما يشوش على الخصم فكره، وان لايتصرف في كلام الخصم بزيادة فيه او نقصان، ولا ينسب اليه شيئا لا يقول به، أماالحوار السلبي العقيم فهو الذي يقوم على العناد والمكابرة والتشكيك والمطالب التي لا تنتهي ولنأخذ أنموذجا لذلك قيما فعل قوم موسى في قصة بقرة بني اسرائيل والتي سميت السورة بها:
وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين (٦٧) قالوا ادع لناربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (٦٨) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين (٦٩) قالوا ادع لنا ربك يبين لما ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (٧٠) قال إنه يقول إنها بقرة لاذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون (٧١) (سورةالبقرة ٧١٦٧).
عصمنا الله من الجدال والزلل وهدانا لأقوم السبل وحفظ البلاد والعباد من الفتن ماظهر منها وما بطن.