بسم الله الرحمن الرحيم
يقول المولى سبحانه وتعالى
(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
فما هو العلم وهل هو فريضة على كل مسلم ومسلمة وما أهميته في العقيدة الإسلامية؟
الدكتور محمد هداية:
أول كلمة في القرآن لرسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرأ" مع ملاحظة أنّ هذا النبي بإعلان القرآن كان أميّا يعني أنّ هذه الرسالة العظيمة أي القرآن الذي جاء على وزن فعلان من القراءة مكتملة بصيغة الامتلاء لنبيّ أُمِيٍ. "اقرأ" أول كلمة
(اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم)
فكلمة "اقرأ" تشير إلى أنّ القرآن قراءة وكلمة "علّم بالقلم" تشير إلى أنّ القرآن كتاب، لأننا نقرأ في القرآن كلمة قرآن ونقرأ أيضا كلمة كتاب وفي مطلع سورة البقرة التي كانت في ترتيب النزول 87 وجاءت الثانية في المصحف
(ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه)
فهو كتاب من الكتابة وقرآن من القراءة وكأنّ القراءة والكتابة هما سبيل هذه الأمة لتَسَيُّدِ العالم لأنّهم عملوا بما في هذا الكتاب "اقرأ" و"علّم بالقلم" مع العلم أيضا أنّ النبي الذي تلقى هذا القرآن الذي قال فيه المولى في كتابه العزيز
(إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا)
بما في الكلمة من معاني كان أُميًّاً.
الأُمِيَّةُ عندنا عَيْبٌ شديدٌ وكانت عند محمد صلى الله عليه وسلّم شرفاً، لأنّ هذا النبي الذي يتلقى هذا القول الثقيل أو هذا القرآن العظيم لا بدّ وأن يكون أميّا لأنّه تعلّم أوّل ما تعلّم
(علّمه شديد القوى ذو مرّة فاستوى وهو بالأفق لأعلى)
إذًن، لم يتعلّمْ محمّدٌ بوصفه دخل كتابًا أو مدرسةً وإنما تعلّم بـ
(اقرأ باسم ربك الذي خلق)
نتساءل هنا لماذا الذي خلق؟
لأنّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا أنّ الذي خلق من عدمٍ قادرٌ جلّ وعلا أنْ يعلِّم محمدًا عنْ أمية العدم لأنّ الأميّة بالنسبة للتعلم عدمٌ، فكما أنّه خلق من عدمٍ علّم محمّدًا صلى الله عليه وسلم من عدمٍ.
على أنّي ألفت الأنظار إلى قضية مهمة بالنسبة للنص القرآني بالذات بعيد عن التعلم الذي نحن بصدد الحديث فيه، فالقرآن يريد منّا أمّة الإسلام وأمة محمد أن نبقى بالنسبة للنص القرآني أميين وذلك مهما تعلّمنا ومهما حصلنا على شهادات أو تخرجنا من كليات وجامعات وأكاديميات، ألم يقل سبحانه في كتابه العزيز
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم).
قد يقول بعضهم ولكننا أصبحنا علماء ودكاترة نقول لهؤلاء أننا علماء في علم التلقي أو في علم الإعطاء لكن بالنسبة للنص القرآني نحن أمييون، فلا ينفع أن أسمع قوله تبارك وتعالى
(ألم ذلك الكتاب)
فأقول ألم يكن من الأجدر أن يقول ذلك القرآن بما أنّ أول كلمة في القرآن كانت اقرأ. هذا الكلام هو وجهة نظر ووجهة النظر بالتدخل في النص القرآني كفر والعياذ بالله، إنما أسلّم للنص القرآني وأبقى أُمِيًّا بالنسبة له حتى أتعلّم من الله ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم
"خيركم من تعلّم القرآن وعلّمَهُ"
بما له وما عليه.
هناك خلط في المفاهيم عند الناس فما هو الفرق بين عالم وعلماني وما هو تفسير كلمة عالم؟
الإنسان يبدأ متعلّماً فإنْ أحْسَنَ التعلّم صار عالماً، مع العلم أنّ العالم يشعر أبداً أنّه في حاجة إلى التعلّم. إن مشى في هذا الخط (خط التعلم) وإن خرج على خط العلم الحقيقي الخاضع لوجود الله تبارك وتعالى فيبدأ في التكلم عن الصدفة والطبيعة وما إلى ذلك فهذه هي العلمانية إنما الذي يسير في خط الدين في كل المجالات فذلك هو العالم الحق فنحن في حاجة للطبيب المسلم والمحامي المسلم ولعالم الذرة المسلم.
لأن الإسلام يحترم كلّ عالم في كل مجال ونحن بدورنا لا نصنع بيننا وبينهم أي ضغينة أو أي عداء لأننا نحترم فيه علمه.
وأود أن أشير هنا إلى أمر مهم وأدعو كل العلماء إلى هذا: إن أنا قلت رأياً واختلف معي أحدهم فما المانع في ذلك؟
فتفسير القرآن والفقه الإسلامي فيه اختلافات كثيرة جداً وفيه أمور لا نرضى أن نقولها على الملأ لأنّ في العلم أمور لا يستوعبها عقل الإنسان العادي فلست أدري سبب دأب بعضهم أن الاختلاف يعني مباشرة العداوة.
العلم رَحِمٌ بين أهله فلا نُعَادِي بعضنا البعض في اختلاف الرأي، فاختلاف الرأي لا يفسد لِلْوِدِّ قضية. فإذا قال أحدهم رأياً ولم آخذ به فحبي لصاحب هذا الرأي لا ينتفي لمجرد أني لم آخذ برأيه.
العلم علوم فالتفسير مثلا فيه علوم كثيرة جدا وأنا أقول أن كلمة علوم القرآن التي تُدرَس الآن لم نأخذ إلاّ شقا منها. فالعِلْم لا ينتهي بعد التخرج من أي اختصاص وإنما يظل البحث والتنقيب دأب كل عالم فالذي ضيّع المسلمين أنهم توقفوا وشبابنا توقف عند التخرج وما هكذا يكون العلم
عليك أن تتساءل هل الأنبياء توقفوا عن دعوتهم؟ الجواب أنه لم يكن يقف بينهم وبين دعوتهم إلاّ الموت وهكذا يجب أن يكون العلماء لا يحول بينهم وبين علمهم إلاّ الموت والعلماء ينطبق عليهم قول المولى تبارك وتعالى
(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)
وإنما للحصر والقهر لأنّ العالم باستمرار بحثه في العلم يعرف الله و
"من عرف الله خافه ومن خاف الله امتثل أوامره ومن امتثل أوامره اجتنب نواهيه"
فكان أعبد الناس
فالعالِم أعبد الناس لأنّه عرف المولى جلّ وعلا على الوجه الحقيقي بالبحث والدرس والفحص لأنّ العالم لا يتوقف في العلم عند حدّ فكلما وجد نفسه في مرحلة ما من علمه تكون تلك المرحلة نفسها بمثابة المكمّل للسابق وانطلاقة جديدة إلى أفق أخرى.