مما لاشك فيه أنه لا يوجد مجتمع من المجتمعات إلا وله ألعابه التي تستمد أصولها من تراثه وخصائصه البيئية التي ترافق أطفاله منذ المهد وحتى المراحل المتأخرة من الطفولة، وتحمل في أشكالها وأنماطها وسماتها وأزيائها الخصائص المميزة والشائعة في هذا المجتمع. واهتمت مجتمعات كثيرة بتصنيع وإنتاج لعب وعرائس قومية لأطفالها؛ تحمل صفاتها المميزة مثل باربي وساندي.. الخ.
ومن الطبيعي أن تقوم العائلات العربية التي تعيش في المهجر بالبحث عن دمى لها صفات ومميزات قريبة الى ثقافتهم وتراثهم. فالدمية باربي التي تكتسح أسواق العالم خاصة الولايات المتحدة، مسقط رأسها، غير ملائمة وسماتها لا تطابق الثقافة والحضارة العربية. لذلك يتطلب الأمر البحث عن بديل أخر، وبالفعل هناك في الأسواق الأميركية دمية اخرى تحاول " منافسة" باربي وتُعرف باسم رازان. يحبذ الاطفال المسلمون رازان لأنها دمية " محتشمة " وترتدي الزي الإسلامي ولا يوجد فيها أي إغراءات جنسية .
وفي هذا السياق يقول عمّار ساده صاحب فكرة رازان ومؤسس شركة "نور أرت" المنتجة للدمية " إن دمية رازان لم تنجح فقط في ملء الفراغ التسويقي ، بل نجحت في إيجاد علاقة بينها وبين الفتيات المسلمات اللواتي يقتنينها". وأضاف عمّار " أن الرسالة الأساسية التي نود نقلها عبر هذه الدمية هي : أن المهم ما هو موجود في داخلك وليس كيف تبدو". وتابع عمّار قوله " لا يهم إن كنت طويلا ، قصيراً ، سميناً ، أو نحيفاً فإن الجمال الحقيقي هو جمال الروح وهو ما يراه الله والمسلمون الاخرون".
الدمية رازان تأتي بعدة اشكال مع عدة القاب مثل الدكتورة ورائدة الفضاء. وفي شهادتها على مدى تأثير هذه الدمية على الأطفال المسلمين قالت الأم ميمو ديبرين من منطقة وست بلوفيلد في ولاية ميتشغين عندما اشترت دمية رازان لأبنتها جينا "رازان تبدو مثل أغلبية النساء بالنسبة لجينا، فهي تعاملها بحنان ولطف وتهتم فيها وخصصت ركنا خاصا بها في غرفتها ولا تسمح لأحد أن يسيء معاملتها". واضافت الأم " لم تحاول جينا نزع حجاب رازان، ودائما تقول ان رازان مؤدبة وليست شقية مثل باربي".
هذا وأشار ساده، من جهة أخرى ، إلى أن شركة "ماتيل" الأميركية التي أنتجت الدمية باربي طرحت دمية جديدة تحمل اسم "باربي المغربية" ودمية أخرى أطلق عليها "ليلى"، وقال: إن الدمية ليلى تحكي أنها كانت جارية في بلاط السلطان التركي، وتحاول أن توصل قصة حول محنة تعرضت لها فتاة مسلمة في العشرينيات من القرن الثامن عشر. ويجدر أن نذكر هنا أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية وضعت "باربي" في قائمة المنتجات المهينة لتعاليم الدين الإسلامي، وذلك في الموقع الرسمي للهيئة على شبكة الإنترنت، وفقا لوكالة الأسوشيتد برس. وقال الشيخ عبدالله المرداس، وهو واعظ في جامع الرياض بأن رجال الهيئة يقومون بمصادرة اللعبة وتغريم من يقوم ببيعها، ضمن حملة التخلص من باربي في السعودية. وبالرغم من ذلك، فإن الدمية "باربي" التي هي من صنع شركة ماتيل في كاليفورنيا، مازالت تباع في السوق السوداء، حيث يصل سعرها إلى أكثر من 1000 ريال سعودي. ويقول المرداس بأن اللعب بهذه الدمية ليس محرما في الشريعة الإسلامية، ولكن ثيابها الفاضحة والتي تكشف الكثير من جسدها الأنثوي مكتمل النمو، ستطبع في أذهان الفتيات الصغيرات، وسيرفضن ارتداء الثياب الإسلامية المخصصة للمرأة فيما بعد .
وفي سياق صناعة الدمى للأطفال، أعلنت منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة ( اليونسييف) قبل بضعة شهور عن تقديمها مساعدة مالية إلى الحكومة البوسنية لإنتاج لعبة للأطفال البوسنيين اسمها أمينة؛ لتكون بديلا الدمية الأميركية باربي، وكانت إيران قد سبقت البوسنة في تحدي باربي بإنتاج دمية محجبة أسمتها سارة بهدف توصيل القيم الإسلامية للعالم. وذكرت إحصائية صادرة عن مؤتمر الطفولة الذي عقد مؤخرًا بجامعة الدول العربية بالقاهرة أن أكثر من 90% من لعب ودمي الأطفال الموجودة بالعالم العربي تم استيرادها من الولايات المتحدة الأميركية والصين، وفي هذا الصدد تبنى المؤتمر توصية بتشجيع إنتاج دمية أطفال تعكس القيم العربية الأصيلة وتكون بديلاً ومنافسًا لباربي المتهتكة.
ومن ناحيتها فقد أكدت عبلة إبراهيم بقسم الطفولة بالجامعة العربية لصحيفة "فرانكفورتر ألجمانية تسايتونج" الألمانية، أن تقوية الوجدان العربي للطفل هو الهدف من إنتاج دمية لها ملامح شرقية وترتدي ملابس إسلامية، أما الربح فهو مضمون؛ لأن تعداد العرب تعدي 200 مليون نسمة نصفهم من الأطفال حسبما قالت الصحفية الألمانية التي أوردت فتوى سابقة بتحريم استيراد الدمية الأميركية باربي، وأضافت الصحيفة إن الرفض العربي لباربي لا يقتصر فقط على المتدينين، وإنما يمتد إلى قطاعات واسعة من العرب الرافضين لتطبيع أبنائهم بالأسلوب الأميركي. يذكر أن الدمية الأميركية الشهيرة التي استوعب مبتكروها احتياجات الطفل وأساليب تلبيتها تطورت منذ ابتكارها عام 1959 م لتواكب العصر، ففي البداية كانت عارضة أزياء، وفي عام 1963 سيدة أعمال، في عام 1973 طبيبة وجراحة وفي عام 1984 أستاذة في فن الرشاقة ثم رائدة فضاء، لكن القاسم المشترك بين كل الشخصيات التي مثلتها باربي هو ملابسها الغربية الخليعة!!
وفي مقال لها في موقع إسلام أون لاين، تلفت الدكتورة عبلة الانتباه إلى أننا نجد أن إسرائيل برغم تعداد سكانها الضئيل قياسًا للعرب تهتم بصناعة لعب الأطفال وتجتهد في هذا المجال كي تتبوأ مركز الصدارة في منطقة الشرق الأوسط؛ مستهدفة في ذلك المنطقة العربية، كي تغزوها بتلك الآلية الخطيرة المؤثرة في عقول وأفئدة الأطفال العرب، وفي ثقافاتهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم، فنشطت فيها صناعة لعب الأطفال بجميع أشكالها من دمي ولعب، وألعاب إلكترونية، دون منافسة أو خوف من خطر منافسة متوقعة حتى الآن، مستغلة في ذلك توفر ورخص الأيدي العاملة الفلسطينية، ومعتمدة على مراكز بحوث لتقنين وتصميم أشكال ومضامين هذا المنتج الذي يتصل بصورة مباشرة ومؤثرة بصياغة عقول وأفئدة الأجيال الجديدة، واتجاهاتهم نحو الذات ونحو الآخر.
ونعود لدميتنا رازان، حيث أعرب عمّار ساده عن أمله في أن " تغزو رازان الأسواق في دول الشرق الأوسط قريبا "، مشيرا إلى أنها ستسوق قريبا وفي إطار مرحلة أولى في الكويت والإمارات. وتوقع أن تفتح تلك الخطوة طرقا إلى جنوب شرق آسيا.
وعبر موقعها على شبكة الإنترنت تقول شركة " نور أرت ": إن تلك الدمية تناسب الفتيات المسلمات اللاتي يبلغن 3 أعوام أو أكثر قليلا، وأنها تساهم في دعم الثقة بالنفس، وتعزيز الهوية الإسلامية، وتقدم نموذجا للفتاة المسلمة، وترقى بتصرفات المسلمات. وتشير الشركة إلى أن من بين النماذج التي تنتجها دمية تعلم الصلاة وأخرى تحتفل بالعيد أو تلميذة بالمدرسة وعضو بالكشافة، إلى جانب نماذج أخرى تشمل خزانة بها ملابس لرازان من بينها شورت وفستان تكسوه الورود من الممكن أن ترتديه في المنزل. هذا ويقول عمّار مخترع الدمية " أنا متفائل بالنسبة لمستقبل رازان، فمبيعاتنا تتجاوز ال 30 الف دمية في السنة ، وهناك خطط لتسويق رازان التي يتراوح سعرها بين 10-25 دولارا في الشرق ألأوسط وشمال افريقيا ، ونتمنى أن تتعاون معنا الحكومات العربية لإيصال رازان لجميع الأسواق العربية".
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل ستقوم حكومة باربي بالضغط على الحكومات العربية لعدم استقبال رازان المسلمة التي قد تشكل تهديدا لمصالح باربي في المنطقة.
[
[