السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سعد العثمانكنت جالساً مع زملائي المدرسين، في وقت الفُسحة، في غرفة المدرسين، وفجأة يُطرق باب الغرفة، وإذا بالطالب الخلوق المؤدب، في الصف الثالث الثانوي- قسم أدبي، إنَّه عادل، يستأذن بكل لطف، ثم يعتذر لجميع المدرسين لمقاطعته لهم، ثم يطلبني أنا شخصياً على انفراد، استأذنت من الزملاء، ثم أمسكت بيد عادل، وأخذته إلى مكتبة المدرسة، وأخذت جانباً خالياً وهادئاً من المكتبة، ثم قلت له: اجلس بابني!!. خيراً لقد أشغلت فكري عليك، ما الأمر؟؟. فقال عادل: أنت يا أستاذي، أعتبرك في نفسي أبٌ لي، قبل أن تكون أستاذي ومعلمي، فأنت من المدرسين الذين تأثر بهم كثير من الشباب والطلاب، وعندي اليوم مشكلة كبيرة، أرجو ثم أرجو أن تعينني على حلِّها، قلت له: تكلم، كلي أذن صاغية لك يا عادل..قال عادل: يا أستاذي!! سئمت حياتي، وكرهت كل شئ، حتى أنَّني أفكِّر بالانتحار، من ضيق صدري، وقلقي، وهمومي، تصوَّر يا أستاذي!! أنَّ بعض الناَّس يفكرون بالانتحار بسبب الفقر والجوع، والنقص الحاد في متطلبات الحياة الأساسية، أما أنا فأفكر بالانتحار بسبب مغاير لهذا تماماً، فكل ما يتمناه أي شاب هو عندي، سيارة! عندي جيب ربع آخر موديل، بيت! أسكن في قصر منيف مع عائلتي، مال! مصروفي آخذه من والدي كل يوم 100ريال، مزرعة! لدينا بدل المزرعة الواحدة عدة مزارع، استراحة! عندنا أجمل استراحة في المنطقة، يدعو إليها والدي كبار الشخصيات، دراسة! والدي وضعني في مدرسة خاصة نموذجية، خدم! لدينا بدل الخادمة خادمات ومربيات، الرَّحلات والسَّفر! كل عطلة صيف نقضيها في بلد، جوال! أفخم وأفضل جوال أحمله، لاب توب! آخر جهاز أنتجته اليابان عندي... المهم يا أستاذي أنا أخذت كل متع الحياة، وكانت كلها بالحلال، ولم أقع في الحرام إلا قبل يومين، ثم بدأ عادل يبكي بكاءً شديداً، حتى خشيت عليه، وطلبت منه أن يؤجل إكمال ما عنده إلى حين يهدأ، فأبى وقال: دعني أبكي يا أستاذي، لأنَّ البكاء يريحني، فتركته هنيهة، ودقَّ جرس الدخول إلى الحصة الدراسية، فتركت عادل في المكتبة، وذهبت لأستأذن له عن دخول الحصة الرابعة، وكان عندي أنا حصة فراغ، وعدت إلى عادل في المكتبة، وما زالت الدموع في عينيه، وعلى خديه، وعلى ثوبه، فهدَّأته، وقويتُ من عزيمته، وقلت له: يا عادل!! كلنا نخطئ، وكلنا نذنب، ولكن خير الخطاءين والمذنبين التوابون، وهذه الدُّموع التي ذرفتها، وهذا النَّدم الذي أبديته، إن شاء الله كافٍ لقبول توبتك وإنابتك ورجوعك لربك... تنهد عادل بعد طول صمت، وقال: ولكن!! أنا يا أستاذي وقعت في معصية، لا يغفرها لي ربي، أنا زنيت... أنا زنيت... وبدأ عادل بالبكاء من جديد، وبعد أن هدأ قليلاً قال: يا أستاذي قبل يومين، دخلت الخادمة الاندونيسية إلى غرفتي كعادتها، تريد تنظيفها، وترتيبها، وأخذ ملابسي المستعملة لتغسلها، وكنت أذاكر دروسي، فنظرت لها، ونظرت إلي، فابتسمت، وابتسمت، وكلمتها كلاماً رقيقاً، وكلمتني مثله، واقتربت مني، واقتربت منها، ثم جلسنا على السرير، وحدث ما حرم الله، وفضضت بكارتها، ولما رأيت دمها ينزل منها، تمنيت لحظتها لو أنَّ الأرض انشقت وابتلعتني، وهي حسَّت بخطورة ما فعلت؛ فجعلت تبكي، مما زادني حزناً وغماً وضيقاً، وأنا في حالة من الضيق والتعاسة والشقاوة لا أحسد عليها، فانصحني يا أستاذي ماذا أفعل؟؟.