وجاء الكريسماس
الأربعاء 23, ديسمبر 2009
د. هيثم طيب
دون مقدمات..
جولة سريعة بين أخبار القنوات الفضائية...
• مقتل شاب فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي
• قوات الاحتلال الأمريكي تداهم المنازل ببغداد وتعتقل خمسة عشر عراقياً
• اعتقال اثنين من الطلاب العرب بولاية كاليفورنيا بأمريكا دون تهمة واضحة
• السخرية من نبينا صلى الله عليه وسلم في صحيفة أوروبية
• القوات الإسرائيلية تطلق النار على مدنيين في القدس فتقتل فتاة في الرابعة عشر من عمرها
• امرأة كشميرية على شاشة التلفاز تصرخ عند رأس ولدها الذي قتل ليلة البارحة
• مقتل شاب فلسطيني آخر برصاص الجيش الإسرائيلي
ما سبق هو غيض من فيض.. هو جزء مؤلم من جرح ينزف دماً..
وينزف دمعاً.. وينزف ألماً.. وينزف كرامة مجروحة..
فصول تتكرر على مسامعنا وأبصارنا كل يوم وكل ليلة حتى يكاد المرء أن يتوقع مجمل قائمة الأخبار قبل أن يسمعها أو يراها..
ويحدث هذا كله بمرأى ومسمع من جميع المسلمين، فلم يعد أحد إلا وعنده خبر إخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والصين..
الكل يعلم ما يحدث.. والكل يرى سيل الدم الذي لا يتوقف..
والكل يسمع بكاء الصبايا.. والكل يصبح على نظرات البؤس.. والكل يمسي وقد سمع زفرات الأرامل..
كل المسلمين يعلم الآن من عدوه فلم تترك وسائل الإعلام مجالاً للغفلة أو السذاجة..
ولم يعد خافياً أن أتباع الصليب وبني إسرائيل قد اتحدوا لغزو ديار الإسلام ولغزو مجتمعات الإسلام..
لم تعد الحرب سراً ولم تعد المكائد تحاك في الظلام.. فالعدو قد كشر عن أنيابه والصفاقة لديه والجرأة سواء..
كل المسلمين يشعرون بالقهر.. وكل المسلمين يشعرون بالغضب..
ثم أشاهد على قناة فضائية شيخاً جليلاً يتلقى أسئلة الجمهور وأسمع أحد المشاهدين يسأل: "ما حكم التهنئة بأعياد اليهود والنصارى؟"
وأتمنى أن أقفز إلى داخل سماعة الهاتف وأصل إلى المشاهد الذي سأل هذا السؤال فأسأله:"هب أن تهنئتهم مباحة أكنت فاعلاً ذلك؟"
وإن تلعثم في الجواب لأمسكت برأسه وأدرته له تلقاء شاشة التلفاز ولهمست في أذنه:"هؤلاء المذبوحون هم أهلك!!"
كيف لمسلم أن يهنئ من قتل أخاه واغتصب عرض أخته وأمه؟
كيف لمسلم أن يهنئ من سب دينه؟
بل قل كيف يتأتى هذا لعاقل؟؟
يا مسلمون..
أتدعون محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تهنئون من سبه وسب سنته؟
بل أتدعون محبة الله وأنتم تتقربون ممن ينتقص من جنابه وجناب ملائكته ورسله؟
ولا أريد أن يتقافز أحدهم فيقول: نحن لا نهنيء من يقتل إخواننا، نحن نهنيء فقط الذين لم يقاتلونا في الدين!
وأقول: ألا يكفي أن هؤلاء الذين لم يقاتلونا في الدين يحتفلون في ليلتهم تلك – بحسم زعمهم- بمولد الإله المخلص ابن الله؟
ألا يثير في نفسك شيئاً أنهم يسبون الله؟
ألم تقرأ "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدّا * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا * أن دعوا للرحمن ولدا"؟
أمن المفترض أن نمتنع عن التهنئة فقط عندما يقاتلوننا نحن، ولا بأس عندنا عندما ينتقص جناب الله؟
عجيب!
ثم أترضى يا أخي أن يسب أحدهم أمك أو أبوك وأقوم بتهنئته والاحتفال معه وأن أهديه شيئاً وحجتي أنه لم يسبني أنا؟
أم أن جنابك مصان وجناب الله محل تفاوض؟
كنت أفكر كيف لمسلم أن يفعل ذلك؟
بل كيف بمن اجترأ فلم يكتف بتهنئتهم بعيدهم بل احتفل معهم؟
القضية قد تجاوزت الآن البحث عن الحكم الشرعي في المسألة فقد أنهكت بحثاً والأمر جلي لكل صاحب قلب سليم ففي نظري القضية الآن تدور حول محوري العزة التي ننشدها والكرامة التي تكاد لا تزورنا إلا في أحلام اليقظة..
أأشعر وحدي بالغيظ هنا؟
وهناك سؤال آخر مهم..
لماذا تتساقط همم بعض المسلمين فيتوددون للنصارى في أعيادهم ونجدهم يتباعدون عن اليهود فلا يحتفلون معهم؟
أجعل الله في المسألة حكمين؟ أم أنكم حقيقة تريدونا أن نحتفل ليس بالكريسماس فقط بل نضيف إليه الهاناكا والنيروز والدوالي!
والله إني لأتعجب من أناس هذه همتهم!
والحقيقة أنه لا عجب..
فالحال هو مصداق حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال"سلط الله عليكم ذلاً"!
ولقد صدقت يا أبا حفص حين قلت: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله".
والله إن هذا لهو الذل الذي لا ذل بعده.. أن نهنئ سارقنا..وقاتلنا.. بل وشاتم ديننا!
والله لوددت أن أكتب مقالي بدم الشهداء فيلين القلب القاسي وتتوب النفس الأمارة !
أقول لهؤلاء المتهافتين على أقدام أعدائهم: لولا أنها شريعة الله ولولا أنها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم لما احتفلنا بعيدينا الفطر والأضحى، ولكنا أقمنا صفوف العزاء في كل حي وفي كل شارع فالمصاب جلل والخطب كبير..
قلت مجدداً: ألم يأن للذين آمنوا أن يخجلوا!