كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمَن تتبع الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها صحف إعلامية على الدعوة السلفية ورموزها؛ يجد أن الهدف مِن ورائها لا يخرج عن أحد ثلاثة احتمالات:
الأول: هو دفع الدعوة لتقديم تنازلات في عددٍ من القضايا، منها:
أ- ترك الدعوة إلى تطبيق الشريعة ومنابذة العالمانية.
ب- التخلي عن الدعوة إلى التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم -وبالأخص النصارى- مِن المنظور الإسلامي لهذه القضية، والقبول بالطرح العالماني لهذه القضية، بل القبول بما هو أدنى مِن الطرح العالماني.
جـ- التطبيع مع الفن والرقص والغناء والتمثيل، وغيرها من صور الفجور.
د- إغلاق ملف النقاب والحجاب.
هـ- الترحيب بالغزو الثقافي الأمريكي من جهة، والشيعي من جهة أخرى.
والقائمة طويلة، ولكن هذه أبرز عنوانيها.
الثاني: الاستدراج إلى العنف:
وذلك لأن كثيرًا مِن هؤلاء المهاجمين للسلفية لا يُخفون ولاءهم للثقافة الغربية والأجندة الغربية بصفة عامة!
وبعضهم يعمل في وسائل الإعلام المملوكة للوبي الغربي، ومِن ثمَّ يريد تحقيق أهدافهم.
وهؤلاء يريدون تفخيخ العلاقة بيْن الإسلاميين والأنظمة الحاكمة؛ لتسيل الدماء من الجانبين، بينما يعيش هؤلاء على هامش المعركة تحريضًا وتهييجًا، ومؤتمرات ومؤامرات، ومناصب ثقافية في نظام كانوا وما زالوا أشد خصومه الفكريين؛ حيث ينتمي معظمهم إلى اليسار، في الوقت الذي يبايع الأنظمة اليمينية، ويغازل قوى الشعب الكادحة بعقد المؤتمرات في الفنادق العائمة!
ومِن العجب: أن تكون الجرائد والمجلات التي تُحرِّض النظام على البطش بالسلفيين هي التي تحرض السلفيين على الثورة مطالبة بثأر "السيد بلال" -رحمه الله وأنزله منازل الشهداء-!
إذن فهم يريدون أن يستدرجوا الحركة الإسلامية إلى العنف، لا سيما السلفيين الذين لم يمتنعوا عن ممارسة العنف فحسب، بل أقنعوا "الكثيرين" بتركه.
الثالث: توظيف شباب السلفيين في فوضى عارمة بعد الفوضى الخلاقة:
والمتابع للساحة الإسلامية والعربية، وتقاطعها مع الساحة العالمية؛ يجد أن هناك خيوط مؤامرة لتفجير الأوضاع المحتقنة بطبيعة الحال في البلاد الإسلامية، بدأت مع تسريبات "ويكليلكس"، وتصاعدت في عدة بلدان في آن واحد تزامنًا مع استفتاء الجنوب السوداني.
وكثير مِن المتصدين للإعلام ولغيره يصورون للنظام أنه يهاجم الإسلاميين مِن أجل عيون النظام؛ بينما هو يهاجم الإسلاميين، ويفتح لهم بوابات هروب في اتجاه لا يخدم البلاد، ولا النظام، ولا الإسلام بطبيعة الحال!
فوكلاء الغرب في بلادنا -وهم يحرثون الأرض لثورات شعبية- يزعجهم التفاف شباب الإسلاميين بصفة عامة -والسلفيين بصفة خاصة- حول مشروعات سامية تهون معها ما يلاقونه مِن مشكلات اقتصادية واجتماعية، كما أنهم يُساهمون في تخفيف آثار تلك الأزمات على غيرهم بدلاً مِن أن يَفِرَّ الناسُ إلى الانتحار.
ومِن ثمَّ يقوم هذا "الطابور الخامس" بتحريض النظام على القادة الإسلاميين؛ بينما يحرِّض الأتباع على قادتهم.
والمطلوب في النهاية: أن يترك الشباب الإسلامي المشروع الإسلامي؛ ليخرجوا في مظاهرات الجياع كحال تونس، وغيرها من الدول العربية والإسلامية.
ونحن نقول لهؤلاء: موتوا بغيظكم؛ فبإذن الله لن نتراجع عن ثوابت ديننا، وليفعلوا كل ما في وسعهم.
ولن نُستَدرج إلى حمامات الدم؛ لأننا نعرف حرمة الدماء، ونعرف أهمية الحفاظ على بلاد المسلمين.
ولن نُوظف في معركة غير معركتنا.
سنبقى -بإذن الله- غصة في حلوقهم أجمعين.
فأما مَن كان يروم مِن حملته الأمر الأول: فنقول له كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ساومه المشركون على أن "يسكت" عن عيب آلهتهم، وهم يعطونه كل ما يتمناه بشرٌ -سوى الأنبياء وأتباعهم- مِن: الملك، والجاه، والنساء، والمال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ لَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَشْعِلُوا لِي مِنْهَا شُعْلَةً) يَعْنِي: الشَمْس (رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو يعلى في مسنده، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، وحسنه الألباني).
ويروى أنه قال: "والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر؛ لا أتركه حتى يظهره الله أو أهلك دونه".
لن نستجيب لحملة المساومات، وقد قال -تعالى-: (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) (الإنسان:24)، وبالغ في نهي رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك تنبيهًا على مَن دونه -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) (الإسراء:74).
ولا يعني هذا أننا ندعي أننا كأفراد أو كاتجاه نحتكر الحق كما يدعي العالمانيون؛ ولكن نحن نتمسك بالحق الذي يتبين لنا، ونقول لمن ساومنا عليه: (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا) (طه:72).
وأما مَن طلب النقاش والمناظرة، وأراد أن يقارع الحجة بالحجة بدلاً من سياسة العصا والجزرة التي تتبعها بعض وسائل الإعلام معنا؛ فنحن نرحب بأي نقاش يقوم على أرضية الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
والواقع: إن تهمة احتكار الحق هي إحدى الحيل الدفاعية التي يبرِّر بها خصوم السلفية موقفهم الضعيف أمامها؛ حيث إننا لا نعلم أحدًا في الدنيا يعتقد أو يظن صحة أمر ما إلا وهو يدافع عنه وينافح، وهذا من بديهيات الأمور.
ولكن الذم فيمن يرى أنه كشخص لا يخطئ، أو يجب اتباعه حتى وإن أخطأ، وهذه الفرية أقرب إلى العالمانية؛ لاسيما العالمانية "الردحية"! وأبعد ما تكون عن السلفية.
وأما مَن ظنَّ أن هذه الحملات هي التي أخرجت منتسبين إلى السلفية يفتون بقتل المعارضين السياسين، ولا يرون دخول السياسة إلا مِن بوابة الحزب الحاكم، و لا يرون فى الدنيا منكرًا إلا أخطاء الجماعات الاسلامية سواء منها ما كان ثابتًا أو ما كان متوهمًا، ومِن ثم يواصلونها أملاً في أن يصل باقي السلفيين إلى تلك النهاية المخجلة؛ فنقول لهم: إن هؤلاء أقوام أصيبوا بسقم في الفهم، ونسبوه إلى السلفية؛ فلا ينبغي أن يعول عليهم كثيرًا، أو يظن إمكانية وصول غيرهم إلى نفس قناعاتهم.
فليوفر كل راغب في تراجع الدعوة عن شيء من منهجها وقتَه وقلمه وجهده؛ فالدعوة لا تنتشر بجهود أبنائها؛ وإنما تنشر بتأييد الله لها متى صبر أبناؤها عليها، وبذلوا كل ما استطاعوا مِن جهود في نشرها.
وأما مَن يريد أن يجر الدعوة إلى تبني العنف؛ فهو أمر يظهر في سلوك مَن يحرض الأمن على السلفيين، ثم يحرض السلفيين على الثورة مِن أجل حقوقهم، ثم إذا امتص الشيوخ تلك الصدمات، وأوقفوا مفعول تلك الحيل الشيطانية؛ حرضوا عليهم أتباعهم.
لقد ذكر الشيخ "ناجح إبراهيم" في ذكريات تجربة الجماعة الإسلامية كيف كان يأتي المحامون مِن اليسار ليعرضوا على إخوة الجماعة الدفاع المجاني عنهم، ثم يتعمدون عدم الدفاع المتقن؛ ليبقى الثأر قائمًا بين الجماعة والنظام.
وليعلم هؤلاء: أن السلفيين لا يرضون بالظلم، ولو كان عشر معشار ما يملأ السهل والوادي، ولكنهم اختاروا السلمية؛ لأنهم دعوة، يريدون مناخًا يمكن عرض الحق فيه، وليس مجتمعًا مثقلاً بالجراح، وملبدًا بالغيوم، ودعاة لا يخرجون من مخبائهم إلا في لعبة الكر والفر.
يا أيها المحرضون.. حرضوا.. وسنواجه هذا التحريض بسهام الليل التي ربما أصابتكم أنتم قبل غيركم.
وهل نسيتم "فيروس أبي زيد"؟!
أم تراكم نسيتم الجنازة الهزيلة لأستاذكم "محفوظ"؟!
أم لم تشاهدوا "شين العالمانيين" وهو يفر مذعورًا، وقد تخلي عنه سادته، ولم يتبعه محرضوه؟!
لا تجهدوا أنفسكم في البحث عن سبب لهذا الرعب المفاجئ؛ فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، والله يقول لدعوة المظلوم: (بِعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
وأما أخطر هذه الاحتمالات فهو محاولة استقطاب شباب الدعوة الإسلامية؛ لا سيما بعد ما قرب الإنترنت المسافات.. فيحاول هؤلاء أن يقودوا الشباب الغاضب من كل الاتجاهات؛ لكي يحدثوا فوضى عارمة بعد ما لم تفِ الفوضى الخلاقة التي صدرتها لنا أمريكا بالمطلوب!
والعجيب أن هناك مَن يساعد على هذا المناخ..!
ولا ندري مَن أشار بتقليص عدد مقاعد الإخوان من 88 إلى صفر!
وهل درس مَن أوصى بهذا مِن هؤلاء الكتاب أثر هذا على الآلاف من الشباب الإخواني؟!
أم أنه الحقد الأعمى؟!
أم أنه دَرَسَ وتعمَّد أن يوصي بذلك لإحراق البلاد؟!
ومَن صاحب فكرة اتهام السلفيين -بل التنكيل بهم- بتهمة العنف، وهم كانوا وما زالوا يواجهون اتهامات عديدة بالتخاذل مِن قِبَل مَن يتبنى هذه العمليات من الإسلاميين؟!
إنهم نفس المجموعة الصحفية التي نكاد نجزم أنهم رسل الغرب لإحداث الفوضى العارمة في بلادنا..
إن من أثقل الأمور على النفس أن يظلم الإنسان، ثم يفكر في عاقبة أمره؛ فلا يجد أمامه حلاً إلا الصبر؛ لا سيما إذا كان غير مكتوف الأيدي، ولكن دينه وعقله يأمرانه أن يُكبل يده بنفسه حتى لا يكون مفتاح فتنة!
والأصعب من ذلك أن تطلب مِن الناس هذا وتحضهم عليه!
ولكننا نبذل وسعنا في أن نقول لإخواننا: احذروا مَن يريد أن يوظفكم لأهوائه ومطامعه، واعرفوا الهدف قبل أن تحكموا على وسيلة ما بالقبول أو الرفض.
وأما أصحاب هذه الحملات.. فنقول لهم: موتوا بغيظكم.. فوالله ثم والله لا نتراجع عن شيء نراه حقًا إلا إذا تبين لنا -بالدليل القاطع مِن الكتاب والسنة- خطأه، لا بتدجيل دجال ولا بسخرية مستهزئ.
ولن نُستدرج نحن معشر السلفيين إلى المشاركة في الفوضى، سواءً ما وسمتها أمريكا بأنها خلاقة أو ما لم توصف بهذا الوصف.
كما أن شباب الدعوة الذي اعتاد أن تكون مرجعيته علماء ودعاة يهدون بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لن يسهل عليه أن يقوده في مظاهرةٍ كافر، أو يقوده فيها تارك للصلاة، أو فتاة متبرجة، ولن يقبل أن يُعرِّض بلاد الإسلام -لا سيما مصر قلب العالم الإسلامي- للخطر.
من موقع صوت السلف